عشيقات العقاد .. في وصف هوى عباس العقاد

بقلم / أشرف مصطفى توفيق :
في وصف هوى العقاد

يقول أناس لو وصفت لنا الهوى    فو الله ما أدري الهوى كيف يوصف  

وقال العقاد: " لن أموت قبل أن أعرف ألف امرأة!!"..

ومات العقاد، ولم يعرف هذا العدد، ولكن القليل من النساء اللأتي عرفهن العقاد قد هدينه إلى أعماق المرأة. وما كتبه العقاد عن المرأة يدل على أنه فهمها. ولكن هل فهمها بوضوح؟! وأنه عرفها ولكن بطريقه خاصة جداً!!
فالهوى هو الذي لا يوصف وهو الأبعد عن كل وصف، هو الغريب المقترب في هذا الزمان.
العقاد
ولم تكن علاقة العقاد بالمرأة مجرد معرفة،مجرد دراسة،ولكنه كان محباً وكان عاشقاً وهو أول أديب عربي يجلس ليوضح الفرق ويضع العلامات بين الحب والعشق.
وعرف في حبه البكاء,وعرف جروحاً عميقة في كبريائه وتعذب من الشك,وجرى في الشوارع وراء الرجل الذي مزق كرامته واستحل محبوبته.
وللعقاد دراسة رائعة عن المرأة "هذه الشجرة" ورواية أو قصة أروع عنها "سارة"وله منها مواقف كثيرة، وفي ذمته ثلاث نساء أحبهن، وكلهن تجربة تستحق.. إنهن كما يقولون: "يحلوا من حبل المشنقة!!"

ومن آراء العقاد في المرأة 

مثلاً: المرأة تفضل الرجل الذي يجاملها، على الرجل الذي يضع إصبعه في عينها عندما يكون على حق!!
وأن المرأة أما أن تكون أما أو تستعد لأن تكون، فهي تفضل أن تكون زوجة على أي وظيفة أخرى!! 
وناقشته في ذلك يوماً "غادة السمان".. فقال لها: يا سيدتي أنني أستطيع أن أكشف كذبك في ثانية.. كوب واحد من الماء يكفي لغسل وجهك وتذوب هذه الألوان كلها!!.

العقاد وعميلة المخابرات !!

ومن مواقف العقاد الكثيرة مع المرأة وأنا أنقل الآن من كتاب أنيس منصور تلميذه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" فعلى لسان أنيس :"وفي أحد الأيام جاءت السيدة سنية قراعة..لا نعرفها.إنها سيدة بيضاء ممتلئة..قيل أنها صحفية ويبدو أنها تعرف الأستاذ، ومن الغريب جداً أننا وجدنا الأستاذ قد أجلسها إلى جواره وليس على مقعد من المقاعد؟! وأغرب من ذلك أن السيدة قراعة كانت تتحدث أكثر من العقاد،وأنها كانت تضع يدها على كتفه وأحياناً على يده.
وهمس واحد في أذني:"هل أقوم وأضربها وأطردها من صالون الأستاذ؟!" 
أما السيدة "سنية قراعة" هذه فهي التي قدمتها اعتماد خورشيد فی کتابها باعتبارها "قوادة" تقدم لصلاح نصر ما يريد من الراقصات،والممثلات والكاتبات أيضاً تحت مسمى الدفاع الشرعى الشرس لخدمة الوطن ولو كان بالجنس؟!

عيون العقاد المتفحصة !!

أماني ناشدوعندما التقى الأستاذ العقاد مع مذيعة التليفزيون أماني ناشد لأول مرة في التليفزيون - رحمها الله - قال عنها كلاماً غريباً , أنها لا تنطق حرف الثاء صميماً ولكن بتكلف وقيل له أنها تتهيبه فقال كيف تتهيبني وتأتي بفستان قصير كهذا!! وقيل له أنها فتاة أولاً وأخيراً فقال بسرعة: إنها نصف فتاة لقد صبغت بالأحمر شفة واحدة وتركت الأخرى!
وهمس الجميع كل ده في برنامج 45 دقيقة يا عقاد.. يا راجل عينك وقلبك وعقلك!.

بين العقاد ومي زيادة

وأحب العقاد الأديبة مي زيادة، ولكن هذا الحب لم يأت من القلب وإنما جاء من الإرادة والتحدي؛ فقد كانت مي امرأة ازدحم حولها الصفوة وأحبوها جميعاً : العقاد وجبران وطه حسين ولطفي السيد و.. 
وأحس العقاد أنه أعظم من هؤلاء جميعاً، وأنه قبل المنافسة وهو أمر يثيره كثيراً ودخل المنافسة في الحب ولم يبق أحد إلا جوکي واحد لم يستسلم هو جبران ولكن العقاد أمسك الثور من قرنيه؛ صارحها بالحب وما هو أكثر من الحب وروت له في رسائلها ما تعانيه من قيود وعذاب وطالت رسائل العقاد وكثرت وتكدست .
مي زيادة
وانتقلت الرسائل : من سيدتي إلى سيدتي الآنسة.. إلى سيدتي الآنسة العزيزة، وأخيراً صديقتي العزيزة  
ولكن العقاد ما أن انتصر على الجميع بما في ذلك جبران الشاعر الكبير ( الذى مات بعد 40 رسالة غرام بينه وبين مى .فلم تراه ولم يراها حب بالورقة والقلم؟! ) والشيخ مصطفى عبد الرازق الذي قال في وصف صالون مي الأدبي صفات الجنة "إنه صالون لا يسمع فيه لغو ولا تأثيما" .

وهناك عدة كتب تتهم العقاد،وكل ادباء المحروسة ولبنان بما فيهم طه حسين بأنهم تسببوا في جنون مى الذي أصابها في نهاية أيامها وكانت ترى عارية ذابلة قذرة في الشوارع !!

من هي سارة التي أحبها العقاد ؟

سارة والعقادوأحب العقاد سارة واسمها الحقيقي "إليزه داغر" ولها علاقة بالصحافة فهي من أسرة لبنانية شهيرة في مجال الصحافة والأدب وكانت إليزه في الخامسة والعشرين عندما كان العقاد في الخامسة والثلاثين، ولإليزه داغر اهتمامات بالموضة والتفصيل وصفحات الملابس في الجرائد .
 ولكنها تختلف عن"مي" فإذا كانت مي اجتمع حولها الصفوة فقد اجتمع حول هذه السفلة!! 
فالأديبة مى نوع من الجمال الأدبي الراقي. اما هذه فحفنة من الأعصاب تأبى إلا أن تكون للجميع.

وكتب عنها العقاد رواية أو قصة "سارة" ووصفها بأنها حزمة من الأعصاب تأبى إلا أن تكون امرأة،ولكنه قرر أنه دخل هذا الحب بشهوته لا بقلبه!! 
ولأنه كان وقتها مع "مي" أيضاً دافع العقاد عن الجمع بين امرأتين في وقت واحد، وقال ذلك في نصه الروائى"سارة" كيف أن قلبه من الممكن أن ينتهي من حب مي ليبدأ في حب سارة. فهذا ممكن لإختلاف الشعور فهو يحب مي، ويشتهي سارة أو أن حب مي في دائرة الظل والزوال من المنطقة العاطفية، وفي هذه الحالة فالعقاد _ أو أي رجل _  يمكن أن يتجه إلى حب آخر بنفس القوة والضعف .
وهو صاحب عبارة "الحب الجديد يبتلع الحب القديم"،ولكن"سارة" جننته، إذا كان أحبها بشهوته فقد أحبته لأنها تهوى الرجال..إنها تضع الرجال في قلبها كما تضع المفاتيح في سلسلة بلا قيود ولا شروط..ولاحظ الرجل شيئاً أيقظ عقله تصرف ابنها معها (أن الصغير يقبلها ويصف شفتيها بأنها کريز!!) ودب الشك وأكثر حينما قال له طاهر الجبلاوي قريبه:نعم إنها تعرف ضابطاً شاباً!!
وصدقت إحساسات العقاد وذهب للمقابر ليدفن شهوته وخيانتها،وسارة هي المسئولة عن فلسفة العقاد الشديدة جداً مع المرأة وضد المرأة فقد خرج من هذه التجربة مکسور القلب، مرفوع الكرامة.

 الفنانة مديحة يسري .. الحب الحقيقي في حياة عباس محمود العقاد 

وجاء الحب متأخراً حب القلب.. أحب العقاد بقلبه ونام عقله فقد كان وقتها في الخمسين أو يزيد من عمره وجاءت هنومة (هانم السينما والفن الآن)..مديحة يسري!! .
إنه شيء يشبه ما حدث بين أرثر ميلر ومارلين مونرو .. العقل والجمال .. أو الصحافة والفن في قبلة طويلة!!
وفعل به هذا الحب الكثير أنه ينطبق عليه ما قاله الفيلسوف الوجودي "مارتن هيدجر" بأن الحب هو "علاقة کونية نركع له ونحني رأسنا له وننتظر ماذا يجود به".
وانتظر ما تجود به الصغيرة السمراء الممشوقة القوام , وحينما أهدته "بلوفر" قلب العقاد الدنيا وغير في القصيدة العربية وقال إن في كل شکة إبرة: فكرة!! 
ومن شعره في البلوفر يقول:
هنا هنا عند قلبي
يكاد يلمس حبي
وفيه منك دليل على المودة..
ألم أنها منك فكرة
في كل شکة إبرة
وكل عقدة خيط
وكل جرة بكرة؟
وكانت تزوره في منزله، وقبل الموعد بساعة تحدث له هذه الطقوس يخفق قلبه بعنف، وحتى تصل يكون العقاد قد أطل من النافذة عشرين مرة، وفتح باب منزله متوهماً أن من يصعد السلالم هي عشر مرات؛ فإذا جاءت ينزل السلالم ويأخذ بيدها، ولا يهمه شيء ولا حتى عيون جيرانه؟ مع أنه كان مع "سارة" يحجز مقعدين في السينما ويدخل قبلها ويجلس ويرسل التذكرة لها مع صاحبه فتأتي بعد عرض الفيلم بخمس دقائق وتجلس بجانبه وينصرف قبلها.. مثلما جاءت بعده!! 
إن حب هنومة حوله إلى روميو جريء وكان يناديها "هاني" أي عسل علی فؤاده!! 
ونظم العقاد فيها أرقى وأجمل قصائده، وعرف شعره الجمال.
تريدين قلبي؟ خذيه خذيه
رويدك لا، بل دعيه دعيه
أخاف على البعد أن تلعبي
به يا بنية وتهمليه
فكم لعبة وقعت من يديك
وقوعا أرى القلب لا يشتهيه
تريدين قلبي؟ خذيه خذيه
ولكن بربك لا تنقليه
وكان العقاد دقيقاً في مواعيده ويرى أن الحضور في الميعاد دليل الاهتمام ، وكانت مديحة يسري تعرف ذلك وتأتي في ميعادها أو قبله ولا تطرق الباب إلا في الميعاد، ولذا كان العقاد يفتح الباب قبل الميعاد وينزل على السلالم قبل الميعاد، وحينما تأخرت عن مواعيدها وبدأ التأخير يصل إلى عشرة وعشرين وثلاثين دقيقة كان يغلق الباب.

الشك يقتل الحب بين العقاد ومديحة يسري 

ويقول منصور في كتابه "يسقط الحائط الرابع" إنه وجد في بيت العقاد رسائل بخطها أي "هنومة" وصوراً لها معه، وصورة عليها إهداء من نار!! ورسائل تحكي فيها: كيف أنها دقت بابه وأنه لم يفتح، وكيف أنها اضطرت إلى أن تذهب إلى الباب الخلفي، وكيف أن يديها تمزقت على بابه ولم يسمعها،وهناك رسالة لها بقلم أخضر تشكو منه له هذا الهوان!!
والذي لم تعرفه مديحه أو هنومة أو هاني أنها حينما جاءت متأخرة دب الشك في قلب العقاد، وحينما رآها تهبط لمنزله في سيارة ملاکي لا في تاکسي کما تعود أصابته أعراض مرض سارة "القديم" وحينما وجد أنها تأخرت حين جاءت،وذهبت متعجلة عند الأنصراف وأن السيارة الملاكي تنتظرها قرر ألا يفتح بابه!! ولم يفعل مثلما فعل مع سارة مراقبة وتأكيداً للشك، لقد قرر أن ينتصر عقله على قلبه 
وقال شعراً فيه:
خذي عشيقين مثلي
لا، بل خذي الناس طرا
يلقاك هذا بليل
وذاك يلقاك ظهراً
أن تخدعي رب نبل
يخدعك نذلان مکراً
وتشربي الشهد مراً
حتى يقال جننت
قد هنت والله هنت

الشاعر كامل الشناوي ينتقم للعقاد 

وبعد بعاد طويل، جاءت إلى صالون العقاد يوم الجمعة النجمة السينمائية " هنومة" في قمتها فإذا كان البيت غلق فالصالون مفتوح..حلوة،مغسولة بالعسل والنور..الوجه لامع والأسنان والعينان والسلاسل. 
ووقف العقاد وكان في الصالون السيدة روحية القليني وأنيس منصور وكامل الشناوي، وحينما قالت النجمة السينمائية لروحية القليني : أهلاً يا قمورة!!                                       
ردت عليها: إذن فأنت سيدة الأقمار السبعة.
ويقول أنيس منصور في كتابه "في صالون العقاد": إن كامل الشناوي قد بادلها نظرات أشعرتها بحرج شديد ثم استدعى كل ذكائه الاحتياطي وأسلحته السامة وقال بسرعة مذهلة: أنا والله يا أستاذ - ويقصد العقاد - خطر لي الآن أن أجيب على سؤال يا ترى ما هي الأبيات التي تجمع كل فلسفة العقاد في الحياة والحب واليأس والكبرياء واحتقار أجمل ما في الحياة: المرأة والحب!! لأنها أضعف إنسان. إني وجدت هذه الأبيات التي تحكي عن تعبدك لامرأة ثم ترفعك عنها بعد ذلك..
كنت تراها مسجداً فأصبحت كباريه، ولما عرضت عليك نفسها رفضت أن تعربد في مكان كنت تقدسه ما أروع ما قلت يا أستاذ:
تريدين أن أرضى بك اليوم للهوى
وأرتاد فيك اللهو بعد التعبد
وألقاك جسماً مستباحاً وطالما
لقيتك جم الخوف جم التردد
وقولك يا أستاذ:
جمالك سم في الضلوع وعثرة
ترد مها الصفو غير ممهد
إذا لم يكن به من وإلحاق والطلا
ففي غير بيت، كان بالأمس مسجدي!
وخرجت السمراء، وجرى خلفها الأستاذ،وصلاح طاهر،وقالت روحية القليني لكامل الشناوي: ماذا جرى يا کامل بك.. ألا تعرف من هذه؟ إنها موضوع هذه الأبيات..
ويقول أنيس منصور وشعرت بأن كامل الشناوي لا ينتقم للعقاد ولكنه ينتقم لنفسه،انتقاماً شخصياً قاتلاً وشعرت روحيه القليني بذلك ..
فسألت أنيس منصور: لا أفهم ما بين هذه السمراء وكامل بك ولماذا بهذا العنف!!
ولم تعد السمراء بعد ذلك 
طعنها كامل الشناوي بسكين ساخنة وبأعصاب باردة وقرر العقاد نهائياً، أو اضطر أن يقرر ألا يرى هذه السمراء بعد اليوم فهي في العشرين وهو في الخمسين ورغم محاولاتها إقناعه بأن عملها يقتضي ذلك وبأن لكل وسط متطلباته، وأنها ليست مسئولة عن الذين يحبونها،وإنما عمن تحب وأنها تحبه!!
ولكن العقاد لم يقبل المشاركة أنه كالفريك لا يحب شريك،الحب مسألة شخصية جدا عنده..
وقالت له لا يوجد في حياتي رجال آخرون.
قال لها ولكنك تحتمين بظل رجال وأنا أرفض الرجال وظلال الرجال!!
وطلب العقاد في جلسة الجمعة التالية الفنان صلاح طاهر وطلب منه أن يرسم لوحة غريبة تحمل معاني الشعر الذي كتبه العقاد وقتل به كامل الشناوي السمراء.
قاله له:ارسم فطيرة حلوة شهية يشتهيها الجائع والشبعان والتخوم، ولكن حام حولها الذباب واقترب منها صرصار؛ فأصبحت هذه الفطيرة على هذه الصورة لا يقترب منها أحد، بل تعف النفس منها وتعزف العين أن تراها!!
والحقيقة أن العقاد لم يعد قادراً على التطلع إلى "هنومة" فقد عزف عنها وعرف عنها أشياء كثيرة..اهمها أنها تزوجت بعد خروجها من صالونه بأيام 
محمد فوزي
ووضع العقاد هذه اللوحة في حجرة نومه وصور العقاد نهاية آخر حب في حياته..حب التقى فيه الأدب في الفن وتحولت القبلة الطويلة إلى مأساة كاملة:
هونت خطبك جداً
وخلته لن يهونا
بدلت بالنار برداً
وبالهيام سکونا
أنا أمنت الفتوتا
وأنت ماذا أمنت
وقد هنت والله هنت    
-----
بقلم / أشرف مصطفى توفيق
كاتب صحفي

اضف تعليق

أحدث أقدم