انتهيت من قراءة كتاب :
الحرس الحديدي , الملف الغامض للملك فاروق , للكاتب أشرف توفيق
بأسلوبه الرشيق يقدم لنا الكاتب والأديب أشرف
مصطفى توفيق عملا جديدا رائعا ينضم إلى مكتبة مصر التاريخية كما سبق وأن اهداها
كتبا في المجال القانوني والقضائي العسكري والأدبي .
ورغم انه في مطلع كتابه استشهد بحديث
تلفزيوني ثم صحفي مع الأستاذة والأديبة لميس جابر ( مؤلفة مسلسل الملك فاروق )
تنكر فيه تماما وجود ما يسمى بالحرس الحديدي , وان هذه النتيجة هي خلاصة عشرات
الكتب والمراجع التي اطلعت عليها ..
فإنه وبناء على تكليف من رئيس مكتب احدى
الصحف العربية في مصر , حول استجلاء حقيقة الحرس الحديدي , ووضع حد لها ؟ هي هي
حقيقة كما يتداول على ألسنة البعض , أم هي وهم كما تؤكد الكاتبة لميس جابر ..
وإذا بالكاتب ينهض فيه حس المحقق القضائي ( رئيس محكمة عسكرية سابقا ) فينتقل إلى أروقة الجامعة ليلتقي مع الدكتورة الأكاديمية لطيفة سالم ولها مرجع عن
حياة الملك فاروق ليستجلي منها الأمر ..
ثم تتوالي التحقيقات , وبلغة أهل القانون ,
يتوالى جمع الإستدلالات , ويفتح علينا الكاتب خزينة اسرار الحرس الحديدي , من على
ألسنتهم !!
مصطفى كمال , حسن التهامي , سيد جاد , انور
السادات , عبد الرؤوف عبد المنعم , خالد محي الدين , عبد القادر طه , وآخرين
اشهر الأسماء المعروفة من تنظيم كان يضم
عشرين فردا من ضباط الجيش تأسس في تنظيم أو جمعية سرية عرفت بإسم الحرس الحديدي ,
كان يقودها الضابط البحري يوسف رشاد وزوجته الصاغ شرفي ناهد رشاد وصيفة الملكة ..
واللذان يعملان بأوامر مباشرة من الملك فاروق !
إنهم اذن ليسوا أشباحا , وليسوا وهما كما تقول لميس جابر , والتي لا تخفي
ميولها وانحيازها العاطفي تجاه الملك فاروق , إلى حد يجعلها تنكر وجود تنظيم أعلن
اعضاؤه عن أنفسهم وعن العمليات التي قاموا بها وتلك التي لم يقوموا بها ونسبت
إليهم زورا ..
وكأنها جريمة لا تليق بملك
في حين أن فكرة الحرس الحديدي نفسها منقولة
عن الحرس الفولاذي الذي انشأه الملك كارول ملك رومانيا , وعمل بنفس الطريقة التي
عمل بها هاريم رئيس مكتب الخدمة السرية الألماني في مصر
يوضح الكاتب أشرف توفيق ملابسات وظروف نشأة الحرس الحديدي
من بدايتها كوسيلة لتنفيذ خطة استراتيجية قام رئيس الديوان أحمد حسنين باشا بوضعها أبان واقعة فبراير 1942
وبين ظهورها فعلا إلى العمل من بعد نجاة
الملك فاروق من حادثة موت بالسيارة عام 1946 , وبدء تعرفه على الضابط طبيب يوسف
رشاد الضباط بالسلاح البحري الملكي , وزوجته ناهد رشاد !!
ثم يسرد الكاتب الأسباب التي عجلت بظهور
الحرس الحديدي والهدف منها والذي كان الانتقام من الانجليز ومن حزب الوفد الذي
أثبت تحالفا وثيقا بينه وبين الإنجليز جعلت منهم يحاصرون فاروق بالدبابات
ويطالبونه بتكليف النحاس باشا برئاسة الحكومة أو بتنحي فاروق عن العرش !!
ثم يذكر الكاتب بشكل شبه تفصيلي ومن مذكراتهم
الذاتية , طبيعة ودور كل فرد من أفراد الحرس الحديدي والعمليات التي قاموا بها
فيسرد لنا
قصة ناهد رشاد – وصيفة الملكة – وكيف كانت المستشار السياسي للملك او
الملكة الفعلية للبلاد , وقصة زواجها من يوسف رشاد , ثم علاقتها بالضابط مصطفى
كمال صدقي الذي كان يعتبر نفسه قائد تشكيل الحرس الحديدي , ويروي لنا طموحات هذا
الاخير ونزواته وميوله وافكاره .. ونهايته المأساوية
كما يروي لنا دور كلا من سيد جاد وأنور
السادات ..
وفي طريق البحث عن حقيقة الحرس الحديدي ,
تتكشف أمامنا معلومات وحقائق تاريخية هامة جدا , لا يعرفها إلا قلة قليلة داخل هذا
البلد منها :
- - حقيقة الملك فاروق وهل هو ابن زنا أم ابن شرعي ؟
- - متى تدهورت علاقة فاروق بأمه الملكة نازلي ؟!
- - كيف اثرت المشاكل الأسرية في حياة الملك فاروق وتوجهاته ؟
- - فضائح الملكة نازلي وعلاقاتها الغرامية وتحديها لإبنها الملك
- - طبيعة علاقة فاروق بناهد رشاد ؟
- - هل حاولت ناهد رشاد الانتقام من الملك فاروق لزواجه من ناريمان ؟!
- - علاقة الملك فاروق بحزب الوفد وتحديدا بخصمه اللدود النحاس باشا
- - محاولات إغتيال النحاس باشا الخمسة , وكم محاولة منهم كان فاروق هو المسئول عنها
- - هل كان الحرس الحديدي مخلصا للملك فاروق ؟
- - محاولة إغتيال الملك فاروق على يد الحرس الحديدي
- - اسطورة الأسلحة الفاسدة وحقيقتها , وبراءة الملك منها وفساد الجيش
- - حقيقة تنظيم الضباط الأحرار وعلاقتهم بالحرس الحديدي
- - هل تم تأسيس الضباط الأحرار على أيد الحرس الحديدي ؟ وما سر إختفاء الحرس الحديدي وظهور تنظيم الضباط الأحرار في نفس الوقت ووجود قيادات منهم داخل قيادة الضباط الاحرار ؟!
- -
أنور السادات لا عبد الناصر ولا غيره .. كان هو الضابط
الأخطر في كل التنظيمات المسلحة في ذلك الوقت
- - هل حاول فاروق التنحي عن العرش قبل انقلاب الضباط الاحرار ؟!!
- - اوامر فاروق بإغتيال أي عسكري انجليزي
- - الأخ غير الشرعي للملك فاروق
- - زينب الوكيل زوجة النحاس باشا وتصرفاتها المشينة وعلاقاتها الغرامية السرية بوزير الداخلية
- - استغلال الملك لصراعات الوفد الداخلية وتحريض مكرم عبيد باشا على فضح النحاس واستغلال زوجته نفوذها
الكتاب على قلة أوراقة ( 145 ) صفحة , إلا
انه ثري بالمعلومات المؤكدة المعزوة إلى مصادرها , كما ان الكاتب لم يقفز إلى اية
استنتاجات من هذه المعلومات , فلا نكاد نشعر برأيه الشخصي وانما إلتزم الحياد في
السرد والنقل
ولكن .. قدم لنا حقائق واضحات ,يمكن لنا
استنتاجها , ان الملك فاروق مثلا كان
مظلوما أو سيء الحظ , فقد تولى العرش طفلا , وخانه الجميع بدء من أمه ورئيس ديوانه
ومعلمه , حتى ناهد رشاد , وأزمته مع الملكة فريدة وطعنه في نسب ابنتها الاخيرة منه
واتهامه لها في شرفها .. وغدر الحرس الحديدي له وللهدف الذي قام من أجله
وخصومته مع النحاس باشا التي كانت تضعفه في
صراعه مع الانجليز , خاصة بعد خسارة ألمانيا النازية التي كان ينحاز إليها فاروق ,
هزيمة الجيش في فلسطين ومحاولة إلقاء اللائمة على الملك فاروق , حريق القاهرة
لا يعني هذا ان فاروق كان منزها عن الأخطاء ,
ولكن .. كان ملكا وطنيا سيء الحظ
ويكش لنا الكتاب عن ان فاروق كانت لديه ميول
التنحي وترك البلاد واهمها تلك المرة عند دخول النازيين إلى مرسى مطروح وخشية
فاروق ان يقوم الإنجليز بأخذه رهينة
وفي الحقيقة كان الانجليز فعلا يخططون لنقل
فاروق إلى السودان وإدارة الحرب ضد النازية من هناك
ان هذه الميول ولشدة ما لاقاه فاروق في حياته
الخاصة والعامة , اعتقد انها كانت السبب وراء تنحيه عن العرش بسهولة لشوية ضباط
مصريين كان قادرا على سحقهم ولكنه لم يفعل ..
بيد جيشي لا بيد جيش الإحتلال الإنجليزي
فقبل حركة الضباط الأحرار بعشر سنوات تقريبا حاصرت فاروق الدبابات الإنجليزية وطلبت منه التنحي عن العرش اذا لم يتم تعيين النحاس رئيسا للحكومة , وأشهرت المسدسات في رأسه وكاد أن يتنحى عن العرش ولا يستجيب لطلب الإنجليز, لولا مشورة احمد حسنين رئيس الديوان
كان الملك على علم بوجود تنظيم الضباط
الأحرار , ولكن لم يعبأ به .. ربما تصوره فصيلا وطنيا تمردا داخل نطاق الجيش فقط
ولكن .. ما ان انقلبوا عليه .. حتى سلم لهم
بسرعة , وربما السبب كما ذكرنا هو كونهم مصريين وطنيين كما يعتقد , كما ان زعيم
الضباط الأحرار حسب ظنه هو شخص كان يدين له بالولاء , انه أنور السادات .. هكذا
كان يعتقد !!
ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكاتب يربط بين
اختفاء الحرس الحديدي وظهور قياداته في قيادات الضباط الأحرار
أنور السادات ..
فبعد قراءتي لهذا الكتاب , الذي جاء في شكل
تحقيق صحفي في وقائع تاريخية
أقول , أنه أكثر دهاء مما كنت أو رأيت أحدا
يظن به ..
وأن طبيعة التكوين السياسي للسادات , ظلت
مسيطرة عليه طوال الوقت, فهو لا يدين بالولاء لأحد , ويعرف متى يظهر ؟ ومتى يختفي
؟ ومن الذي نجمه يسطع فيلتحق به ؟ومن الذي يخفت نجمه فيتنكر منه ؟
لقد إعتاد السادات على خداع الجميع , واللعب
مع كافة الأطراف وضدهم في نفس الوقت .. لذلك .. إغتاله الجميع
وربما جاءت نهايته الدراماتيكية أكثر عدالة ,
فهي جاءت بتخطيط إخواني , وتنفيذ عسكري , وإرادة أمريكية وسوفيتية , وشماتة عربية
ولكني لا أتهمه بخيانة بلاده ووطنه , لقد كان
السادات باحثا عن ذاته ( كما عنون كتابه البحث عن الذات ) , وربما أعياه ذلك ,
فكان الشيء الوحيد الثابت عنده والذي لم يخنه أبدا هو .. وطنه .. مصر
تقول الكاتبة نشوى الحوفي : لقد كان السادات
على إستعداد لمنح إسرائيل كل شيء تحت الشمس , ما عدا الأرض والسيادة !
في الختام , أن كتاب الحرس الحديدي للكاتب
أشرف مصطفى توفيق , جاء مرجعا في موضوعه , وسوف يظل أحد الكتب المهمة التي كتبت
حول الحرس الحديدي , وسيكون ملهما للكثيرين لإعادة النظر والتحقيق في نقاط مر
عليها الكاتب اثناء بحثه , ولم يفردها حقها حتى لا يخرج الكتاب عن غرضه .. ولكنه
أعطانا مادة ثرية للبحث والكتابة عن آخر أيام الملكية في مصر .
الكتاب : الحرس الحديدي , الملف الغامض للملك
فاروق
الكاتب : أشرف مصطفى توفيق
الناشر : وكالة الصحافة العربية ( ناشرون )
الطبعة :
2019
اقرأ ايضا:
أشرف مصطفى توفيق (1) وحلمت كاميليا كوهين بعرش مصر
أشرف مصطفى توفيق (2) الجاسوسة الحسناء وحرب فلسطين
أشرف مصطفى توفيق (3) سامية جمال حافية على جسر الذهب
أشرف مصطفى توفيق (4) امبراطورة تحترف البغاء
الراجل اللي وراء أم كلثوم
غزل البنات وقصة آخر مشهد في حياة نجيب الريحاني
كيف قام اسماعيل ياسين بإستخدام سلاح الكوميديا في الدعاية للجيش المصري
يولاند كسار أجمل فتاة في مصر 1927
شارلوت واصف أول مصرية تفوز بلقب ملكة جمال الكون 1935
اسمهان وفريد الأطرش من إنتصار الشباب إلى الموت غرقا
غزل البنات وقصة آخر مشهد في حياة نجيب الريحاني
كيف قام اسماعيل ياسين بإستخدام سلاح الكوميديا في الدعاية للجيش المصري
يولاند كسار أجمل فتاة في مصر 1927
شارلوت واصف أول مصرية تفوز بلقب ملكة جمال الكون 1935
اسمهان وفريد الأطرش من إنتصار الشباب إلى الموت غرقا
إرسال تعليق