ابداعات - كتبت مريم نجم :
البحر يحمل بداخله الكثير من الأسرار، اختلف الجميع في شعورهم تجاهه، منهم من يحب الجلوس أمامه والتأمل فيه فيشعرهم براحة نفسية، وكأن الأمواج تحمل عنهم همومهم، ومنهم من يبعث فيهم شعور الخوف والضيق وكأنه سوف يبتلعهم بمجرد أن تلمس أطراف أقدامهم له .
لكن .. هل يُختذل البحر إلى ذلك الحد فقط أم أنه مكان أكثر ظلمة من مجرد شعور قد يكون في بعض المرات سيئًا؟!
ولنعرف جواب ذلك، سوف أقص عليكم بعض حكايات البحر ..
الحكاية الأولى
كنا في رحلة لبضعة أيام مع أهل والدتي وقد وقع اختيارنا على شاطئ يُعرف الآن بسوء سمعته لما يحدث فيه من حوادث غرق، لكن في ذلك الوقت لم يكن معروف بتلك الحوادث وكان المكان الذي اخترنا المكوث فيه قريب جداً من البحر، لذلك كنا نستطيع أن نذهب إلى شاطئه في أي وقت نريده .
وفي إحدى الليالي قررت أنا وخالتي أن نذهب لنجلس إلى شاطئ البحر، وأخذنا حينها نتسامر ونمزح ولكن حين التفت إلى ناحية البحر لمحت جسداً يطفو، كان يرتدي شيء له لون برتقالي يشبه سترات النجاة، كانت تلمع في الظلام .
كرد فعل تلقائي قمت من مكاني مسرعة، وخطر لي أن أصيح منادية إلى أي أحد حتى ينقذه، وكلما اقتربت من المياه كان ذلك الجسد يبتعد أكثر، حينها سمعت صوت خالتي تناديني بفزع وعندما التفت إليها قالت لي عودي بسرعة ذلك الجسد ليس ببشري، فعاودت النظر للبحر مرة أخرى ولكن كان ذلك الشيء قد اختفى ! .. ولكن صورته لم تفارق ذهني واستمر لغزاً حتى اليوم !
الحكاية الثانية
عندما حدثت تلك القصة كان عمري تسعة عشر عاما وكنا عند الشاطيء الذي مر ذكره في القصة الأولى، كنت هذه المرة أنا وصديقاتي وبنات خالتي نمشى بمحازاة الشاطيء وبالقرب من المياه ..
كان هناك رجل سمج يتبعنا ويتغزل بألفاظ شائنة جداً لكننا تجاهلناه لأننا بنات ولم نستطع الرد عليه, فجأة من العدم ظهر شخص يرتدي سترة نجاة لم نره أبداً أثناء قدومه وتشاجر مع ذلك السمج إلى أن جعله يفر بعيداً عنا .
ثم انقضى وقت التمشية وجلست وصديقاتي نتجاذب الحديث حول ذلك الشخص الذي ظهر كما يظهر المنقذ الخارق في الأوقات الصعبة، لكن الغريب أن كل منا وصفت ملابسه بشكل مختلف! منا من وصفته أنه يرتدي ستره حمراء وأخرى قالت بل بيضاء ولكن الأعجب أن لا واحدة منا استطاعت وصف ملامحه إطلاقاً وكأن ذلك الشخص لم يحضر أو مسح من ذاكرتنا ورحن يتبادلن نظرات الدهشة !
أما أنا فقد سبقتهم .. حيث تملكتني الدهشة من الوقت الذي لم يطابق وصف إحداهن للون سترته مع اللون الذي رأيته، أتعرفون ما هو لون سترته كما رأيته أنا ! .. نعم ما جاء في بالك صحيح .. كانت سترة برتقالية !
الحكاية الثالثة
لم أكن أصدق في تلك القصص الغريبة التي تحدث عند البحر وشواطئه إلى أن وقعت تلك الواقعة .. كنت حينها أجلس مع أخي على شاطئ البحر وكانت الساعة تعدت الثانية عشر بعد منتصف الليل
وبعد فترة من جلوسنا أخبرني أنه سوف يذهب للشاليه ليحضر شيء ما كان قد نسيه، ولم تمر دقيقة واحدة إلا ووجدته قد عاد من جديد سألته لما لم تذهب؟ وكنت أشعر بالغرابة من تصرفاته والأغرب رده عندما قالي لي : "أريد الجلوس معك أكثر." لأنه لم يقولها لي من قبل .
وعندما عرضت عليه أن أذهب وأحضر له ما يريده من الشاليه أمسك يدي بيديه وكانت ساخنة جدًا وقال بصوت خشن لم أعهده منه في أي وقت سابق : "قُلت لكِ أنني أريد الجلوس معك" . ولأنني أعرف أخي جيدا فقد كان من المستحيل أن يخرج هذا الصوت منه ! ما جعلني أتجمد مبهوتة في مكاني .
وفي نفس الوقت شعرت بيد أخرى توضع على كتفي من الخلف فألتفت صوبها وحينها وجدت أخي يقول لي : "هى بنا لندخل الشالية أشعر بالنعاس" .
تملكني حينها الرعب وعندما عاودت النظر إلى ذلك الذي كنت أظن أنه أخي وجدته اختفى وترك مكانه "مياه ساخنة"!
بعدها ظللت طوال مكوثنا هناك حتى عودتنا دون أن أخرج إلى شاطىء البحر مرة أخرى وبالطبع لم يصدقني أحد أن ذلك الموقف حدث من الأساس .
الحكاية الرابعة
كثير منا سمع بجنيات البحر فمن منا مثلا - نحن معشر الفتيات- لم تعرف "أرييل" ولم تهيم بحبها، وتمنت أن تكون حقيقة
في قريتنا بالفعل يصدقون أن "جنيات البحر" حقيقة والسبب أنه على إحدى الشواطئ كان هناك كوخ صغير"عِشة" يذهب إليه أحد شباب القرية كل يوم ويجلس فيه إلى وقت متأخر
إلى أن سمعه أحد الصيادين ذات يوم يتبادل الحديث مع صوت أنثوي ولم تكن تلك المرة الأولى ولما استرق السمع أكثر علم من حديثهما معًا أنها "جنية بحر" وأن ذلك القروي تواعد معها على الزواج، وعندما نقل الكلام بين أهل القرية - وكان ذلك الصياد معروف عنه نقل الأخبار ونشر الأسرار- وعلم والد الشاب ذلك فخاف على ولده وقرر تزويجه قبل أن تذهب الجنية بعقله !.
وبالفعل لم يعترض على كلام والده ظناً منه أن الجنية لن تعلم عن ذلك الأمر شيئا، ولكن تأتي دائماً الرياح بما لا تشتهي السفن، وعندما ذهب إلى الكوخ في اليوم التالي تفاجأ أنها تعلم بأمر زواجه، فأمسكت بيده وضربت على كفه ضربة قد تبدو خفيفة ولكنها كانت مؤلمة إلى لحد الذي جعل ذلك الشاب القروي يصرخ من شده الوجع ويفرهارباً من العشة وكانت تصيح به ألا يأتي إلى هنا مرة أخرى.
وفي صباح اليوم التالي وعندما استيقظ من نومه وهم يرفع يده ليفرك عينيه وجد كفه وفي الموضع الذي تلقى عليه ضربة الجنية .. محترق.
الحكاية الخامسة
نزلت أنا وصديقاتي لنلعب بالكرة داخل مياه البحر وكان الجو لطيفا حينها والسماء صافية وأثناء اللعب أفلتت مني الكرة عند التقاطي لها، حينها ذهبت أختى لتحضرها ..
ولكن فجأة وجدناها كأن شيئا يسحبها بسرعة إلى الأسفل، صرخنا بصوتٍ عالٍ ليأتي أحد لمساعدتنا وبالفعل جاء بسرعة أحد الغطاسين واستطاع إنقاذ اختي .
ثم حين استعادت وعيها قالت حينما كنت أحاول أن أمسك بالكرة شعرت بشيء ما أمسك يدي وبدأ يسحبني إلى الأسفل وسمعت صوت طفلة صغيرة تبكي وأنا أسفل الماء ففقدت لحظتها الوعي.
ومنذ ذلك الوقت ولم تلمس أختي مياه البحر مرة أخرى .
والآن بتنا نعرف أن البحر لا يمكن اختزاله في كونه مكان للراحة النفسية ولا هو مجرد مكان شديد العتمة ليلا .. بل مكان للغموض أيضا والسحر .. وجنيات البحر !.
.. تمت ..
بقلم الكاتبة / مريم نجم