ان الطفل يقف مذهولا ناظرا لأمه التي قطبت جبينها بشدة وعيناها حمراوتان بلون الدم ..وتشاهد في أحد البرامج التليفزيونية صور الطفل السوري الغارق ..فدار بينهما هذا الحوار :
الطفل:أمي ..هل هذا الطفل كان يبحث عن متعة السباحة في البحر فغرق ؟
الأم:لا يا ولدي كان يبحث عن حياة تضمن له أن يعيش على الكفاف ..لا يهم ..المهم أن يعيش.
الطفل:ما معنى على الكفاف؟
الام:أن يجد منزلا يسكن فيه ولو حجرة ويجد ما يأكله ويستر جسده وأن يغمض عينيه لينام بأمان.
الطفل:ألم يكن له بيت؟
الأم:بل كان له بيت ..ولكن أتذكر تلك المرة التي شرحت لك فيها معنى شياطين الإنس هؤلاء الذين ينشرون الفساد في الأرض؟ حاكم وطن هذا الصغير هو أحدهم وقام بتدمير منزله ومنازل الكثير من الصبية مثله.
الطفل:ولماذا لم يقرأ اهل هذا الوطن القرآن واستعاذوا بالله منه لكي يحترق ويبتعد عنهم كما اخبرتنا معلمة التربية الدينية ؟
الأم:يا بني إن شياطين الإنس أسوأ بكثير من شياطين الجن ..هم يقرأون القرآن بالفعل ولكن رياء ..يتظاهرون بعمل الخير وهم يفسدون في الأرض ..يصلون ولكن ليس لله بل لأولياء نعمتهم من مردة شياطين الإنس.
الطفل:ومن هم مردة شياطين الإنس؟
الأم:جميع الحكام يا بني ..سواء حكام العرب المتقاعسين الخنوعين ..أو حكام الغرب الصامتين المتفرجين.
الطفل بأسى:شئ فظيع أن هذا الطفل قد مات .
الأم:لا يا بني هذا الطفل أوفر حظا مني ومنك ..لقد ذهب لجناب الله الحق العدل حيث لن يظلم نقيرا ..بينما نحن يا ولدي نسكن أوطان تتصارع فيها الجرذان على جيف..ولكل جرذ جيفته ..جيفة المال ..جيفة الجاه والسلطان والنفوذ ..بينما تقف الصراصير راضية قانعة بما يقع عليها من ظلم بل وتصفق للجرذان أيضاً ..لربما تمرد صرصور ما ولكن هذا الثائر يحدث له أحد أمرين :إما أن يكون ثائر حق وفي تلك الحالة تشي به الصراصير الراضية بالذل والاستعباد عند الجرذان ويلقونه اليها لتفعل به ما شاءت ..واما تغلب عليه طبيعته التي ترفض الحياة الكريمة النظيفة فيعود لمياهه الآسنة التي عليها تعود ويقنع بتلك البالوعة التي يسكنها ويزهد الحرية والعدل .
( نظر لها الطفل بعينين دامعتين على الرغم من إنه لم يفهم معظم كلماتها )
الأم: إبك يا صغيري ..إبك ديارا صارت الغربة تصلح أن تكون أوطان بديلة عنها ..لنا الله يا بني .