السر ..قصة قصيرة بقلم زينب عبد الله


دخل (ويلسون) الطبيب النفسي الشاب إلى حجرة رئيس قسم الامراض النفسية..يتساءل في سره عن سبب استدعاء (براد) له على الرغم من اختلافهما الدائم بسبب طرق العلاج التي يتبعها كل منهم..ف (براد) مقتنع بأن جلسات الكهرباء ووضع المريض في غرفة جميع جدرانها من المرايا والتنويم المغناطيسي هي سبل العلاج المثلى..بينما (ويلسون) يرى أن العلاج بالاستماع إلى المريض واستخراج ما في عقله الباطن واللاوعي من خبرات هو الأفضل حتى وإن كان اكثر مشقة ويحتاج إلى صبر..قطع أفكاره صوت براد وهو يقول:[(ويلي) ..إليك حالة من حالاتك المفضلة. . (كايل) تلك الفتاة المملة تنظر إلى الفراغ امامها وترفض الحديث مع اي شخص ..سلكنا معها كافة السبل بداية من اختبارات رورشاخ انتهاءا بالصفعات وجلسات الكهرباء التي ترفضها انت..ولا فائدة..ستاخذك الممرضة إلى حجرتها عسى تجد لها العلاج باساليبك الراقية المنمقة]..وابتسم ساخرا..لم يعلق (ويلسون ) ..ومضى مع الممرضة في صمت إلى حجرة (كايل)..وعند دخوله إلى الحجرة.....
وجد أنوار الحجرة مطفأة..ولكن ضوء الشرفة مضاء..دخل إلى الشرفة ووجد أمامه فتاة عكس كل ما كان يعتقده عنها..هادئة الملامح..شعرها مصفف بعناية ومعقوص على شكل ذيل حصان..نظرة هادئة..ملابس نظيفة متناسقة..هي إذن ليست من طراز المرضى منكوشي الشعر زائغي النظرات!!..جلس على المقعد بجانبها ..وناداها:(كايل)..لم تجب..كرر النداء عدة مرات فلم ترد..ظل ينظر إليها محاولا أن يلاحظ اية انفعالات على وجهها ولم يجد..بعد نصف ساعة من الصمت والنظر إليها شعر باليأس وهم أن ينهض..
فتكلمت !! نظر إليها مبهوتا ..فإذا بها تبتسم في عذوبة قائلة (هلم د.ويلي..الطبيب الذي يحب اتباع سياسة النفس الطويل مع مرضاه كما يقول عنك هذا المخبول (براد) عار عليه أن يمل بعد نصف ساعة فقط من جلوسه مع مريضته )..لم يدر بماذا يجيبها ..فقالت (لا تتعب نفسك يا دكتور..انا هكذا صامتة..وساظل..ولكي لا تتعب نفسك بالبحث عن اسباب لن تجدها مالم اخبرك بها ..فلتسمعني)..نظرت له لترى أثر وقع كلماتها عليه..فوجدته صامتا ..فاكملت تقول (إن نظرت أمامك سترى تلك النجوم اللامعة ..والسماء .والأشجار..وحتى القطط الصغيرة..هي جميعاً أفضل منا..أتعلم لماذا ؟ لأنها تتحرك في دائرة القدر راضية بها..لا تفتعل التصرفات السيئة لتحاول تغيير الواقع فتغيره إلى ماهو أسوأ ) قطعت كلامها مبتسمة وقالت (لابد أنك لا تفهمني ..ساشرحلك مقصدي)..تحفز في جلسته وانصت لها فقالت (أبي رجل وسيم هو..ووالدتي كانت هادئة الطباع ..ولذلك اعجب بها والدي وتزوجها وانجبني انا واخي الأصغر..الى هنا تبدو قصتي عادية..ولكن الرجال يجعلون من المطيعات سيدات منزلهم..والمتمردات الشرسات سيدات قلوبهم!! في البداية بدأ باتهام أمي بالبرود ..ثم بدأت تلك السلسلة التي لا تنتهي من الخيانة..(مايلي) سكرتيرته..(روز) جارتنا..(لورين) صديقتها..حتى (سوزان) الخادمة أقام معها علاقة واعتبرها أكثر إثارة من أمي..وبالطبع كما لك أن تتوقع..ظلت أمي تذبل بسبب خيبات أملها المتتالية في زوجها حتى ماتت !!) اعتذر لها (ويلسون) عن تذكيرها بذلك فقالت (لا عليك لا أحد ينسى أن امه ماتت على كل حال..اتعلم ماذا حدث بعد ذلك؟! حزن أبي كثيرا وظل يبكي ويلعن القدر اللعين الذي اخذها منه !! بل وبالغ في انعزاله ولم يعد يهتم بامورنا انا واخي حتى اصبح أخي مدمن مخدرات !! وعندما واجهت أخي وعنفته ليتوقف عن ذلك أجابني أن السبب لاتجاهه الى التعاطي صدمة فقدانه لأمي..صدقت كذبته في البداية..حتى ذلك اليوم الذي عدت فيه إلى المنزل مبكراً على غير عادتي وكان ابي خارج المنزل..فإذا بفتاة يواعدها سرا تتعاطى المخدرات معه!!وبعدها اقام معها علاقة غير عابئ بصورة والدتي على مكتبه !!..أتدري ماذا قصدت من أن اقص حكايتي عليك ؟) اجابها (ويلسون) قائلاً (إنك وجدتي في الطبيعة نقاءا لم تجديه في البشر ) اجابته مبتسمة (بل الصدق في الرضا بالقدر..أبي لو رضى بقدره ولم يخون امي رغم أنه اختارها ولم يجبره احد عليها..وأخي لو تقبل ما يفرضه الصواب من ابتعاده عن المخدرات..لكنت احترمتهم..ولكن أبي اتخذ من برود امي المزعوم حجة ليرضي شهواته..ثم موتها حجة لانصرافه عننا لأنه شخص لا يتحمل المسئولية..وأخي أتخذ من موت أمي حجة ليخرج عن الأصول ليتعاطى المخدرات ويمارس الجنس..وهذا يؤكد ما قاله كاسيوس لبروتس في مسرحية يوليوس قيصر /إن الخطأ يا بروتس ليس في اقدارنا..بل فينا نحن..لأننا اشخاص ضئيلو الشأن/) نظر لها (ويلسون) مذهولا من حكمتها ..ثم سألها (لماذا تجاوبتي معي أنا يا كايل ولم تتجاوبي مع براد؟) اجابته مبتسمة (لاني قلت لك سابقاً براد مخبول..وإنني اتساءل كيف اجازته النقابة كطبيب نفسي .) ابتسم ونهض قائلاً (لا أدري ماذا اقول ..ولكن بكل تأكيد ساطلب من( براد) أن اكون المعالج الخاص لحالتك..وبمجرد أن اتولى حالتك ساجعلك تغادرين المصحة..وعليكي يا عزيزتي أن تتناسي ما حدث وتبدأي في مكان آخر مع اشخاص يسايرون اقدارهم وإن حاولوا تغييرها يغيرونها للأفضل لا يستخدموها لتبرير مساوئهم مثلما حدث مع ابيكي واخيكي) اومأت (كايل) برأسها موافقة..فتركها وذهب لمكتب (براد) يوقع طلب الإشراف على حالة (كايل)..فسأله( براد) مندهشا (هل ستتقبل الفتاة العلاج ياويلي؟) فأجابه ويلسون : (بل نحن من نحتاج العلاج يا براد..وليس هي)..وادار ظهره له..وغادر.

اضف تعليق

أحدث أقدم