حياة آخرى - قصة قصيرة : بقلم اسلام الحادي


حياة اخرى


حياة أخرى - بقلم : Eslam Elhady
---
الآن في ظلمة الليل أعاند آثار النوم القادم والمتسلل خلسة إلى الجفون . 

الآن وبعد انقضاء الزوابع والنوات وذهاب أطفالي للنوم أستطيع كتابة كل ما هو معلق بروحي . 
أمسكت بالورقة والقلم وحاولت جاهداً استحضار الصور والمشاهد وتحديد ملامح الشخصيات .
جاءت صرخة زوجتي لتمزق السكون وتتحول الأحداث إلى أشلاء تتطاير في سقف الغرفة 
ذهبت إليها مسرعاً . 

كانت صرخة استجداء واضحة المعالم تنادي بإسمي بحروف متقطعة 
أضأت الأنوار.. بسملت وتمتمت ببعض الآيات والأدعية . 

أحضرت لها كوب من الماء رشفت منه عدة رشفات متتالية سريعة كأن طعم الحلم مازال عالقاً في حلقها .
اتسعت أحداقها لدرجة أخافتني كأنها لازالت داخل الحلم .

 أريد أن أقبض على وعيها المتبقي و أسترد عقلها التائه رفعت صوتي قليلاً ثم قلت
- ماذا حدث؟ سيكون خيراً بإذن الله
- أمي ستفارق الحياة
- كفاك أوهاماً
- كانت تجري لاهثة في غابة مظلمة يطاردها الوحوش . ألسنة ملتهبة تجري خلفها أيضاً الأشواك أدمت قدمها . الدم يسيل بغزارة . جسد أمي مسجى على الأرض بملابس بيضاء رائحة الموت تنتشر في كل مكان يحملها الأهل إلى مثواها الأخير
الأرض طينية مبتلة والأقدام تغوص بداخلها . علت الحناجر بالذكر والدعاء السماء سوداء قاتمة هبوب الرياح ولسعات البرد تنخر العظام . تنام أمي بملابس بيضاء وبدون غطاء تنام في سكون وسلام على أعناق الرجال وجهها يبتسم
وأنا ألهث خلفها وحدي خائفة فزعة تائهه في وحشة لامتناهية.
اقتربت منها وضممتها إلى صدري بقوة . دفنت وجهها بين كفيها وأطلقت صرخة أخرى مصحوبة بأنين خافت
- أضغاث أحلام استعيذي بالله وكفاية كدة
- أنت تعلم أن كل أحلامي تتحقق أتذكر يوم وفاة عمي . حكيت لك كل التفاصيل قبل حدوث الوفاة بأسبوع كامل
- نعم ولكن لايعلم الغيب إلا الله . مسحت برفق على شعرها ووجهها وأعطيتها كوب الماء مرة أخرى
- أريد أن أتصل بأمي الآن
- الوقت متأخر ويمكن أن تفزع سنتصل بها في الصباح
- الآن
قامت في فزع وأمسكت بالهاتف ردت بصوت متحشرج من النوم ظلت تسألها ماذا حدث وأين زوجك وهل انتم جميعاً بخير وعن سبب هذا الإتصال في تلك الساعة المتأخرة من الليل فأجابت اجابات مقتضبة وأنهت المكالمة وعادت إلى الغرفة في ذعر
ترتجف وتترقب تشخص ببصرها ناحية النافذة ثم تشد بقوة خصلات شعرها المتهدل
تتحرك حركات آلية كأنها تجلس أعلى فواهة بركان .
- عليك بالوضوء وستجدين خيراً
- سنذهب في الصباح عند بيت أبي
- ان شاء الله
وجاء الصباح بعد طول معاناة . ارتمت بأحضانها بفرح طفولي كأنها عادت بالعمر سنوات . ما السر وراء مكالمة الأمس
- لاشيء سوى أنني كنت أريد أن اهاتفك وأطمئن عليك
- ابتسمت ثم قالت :- عدت إلى كذب الطفولة
- صدقيني يا أمي لاشيء
-
********
الهاتف يدق ترفع زوجتي السماعة بتكاسل
شهقت بصوت مسموع أوقفت به عضلة قلبي
- ماذا قلت ؟
- تكذب أم تتحدث بصراحة
نظرت نحوها في شبه ذهول . وضعت سماعة الهاتف وجاءت بخطوات واثقة
قالت مبتسمة " أمي ستذهب لزيارة بيت الله الحرام وأوصتني أن أدعو لها بأن نفسها الخبيثة تموت وتأتي من هناك ليس عليها ذنب "

اضف تعليق

أحدث أقدم