ياسمينا عفيفي تكتب:- ماذا ننتظر لنستيقظ؟

 ماذا ننتظر لنستيقظ؟







أقبلت على مذكرتي التي اعتدت أن أدون بها كل ملاحظاتي ما جلّ منها وما صغر، كنت فرحة، متفائلة في تلك اللحظة، كنت على مشارف أن أدوّن بها سعادتي لاستمرار الحرب في غزة لأنها فعلت بعض الأشياء التي أحببت أن أسجلها للتاريخ وهي الآتي.

-كنت سأتحدث عن إحدى القريبات التي كانت سابقًا تتعمد مناقشتي حول بعض القضايا أهمها قضية فلسطين المحتلة، وكانت مما يؤمنون بأن أهل فلسطين الكرام هم من باعوا أرضهم ومثل هذه الخرافات التي لا أصل لها سوى أن العرب يبحثون عما يبرر لهم تخاذلهم -ما علينا-  في آخر نقاش بيني وبينها قالت لي جملة أتذكرها جيدًا "انت دماغك عاوزة تتظبط وهقول لماما تتابعك وتشوف مين بيملى مخك بالأفكار دي"، الجدير بالتدوين هنا أنها الآن من أكثر المتحدثين عن الحرب وأرى منها تفاعلًا كبيرًا تجاه الأحداث وتعاطفًا تجاه أهل غزة وهذا أسعدني كثيرًا وجعلني لا أندم أنني صبرت في نقاشها ولم احتدت عليها يومًا رغم تمسكي برأيي لكنني لم أغضب من اختلافها وبعض كلماتها التي كنت ألمح بها اتهامات لفكري، تغيرها جعلني موقنة أن شحن الناس تجاه القضايا الكبرى يحتاج صبر ومرونة وتجنب المشاحنات عند النقاش لأنه بالفعل قد يتغير فكر الإنسان في لحظة. 

-كنت أيضًا سأدون وأتحدث عن هذا الجيل من الشباب الصغير الذي تخلى عن تعصبه الكروي وتحمل المسؤولية وأطاح بكل انتماءاته أمام تمسكه بمقاطعة العدو في هيئة منتجاته وماركاته العالمية.  عندما مررت على الأخبار والمنشورات في اليوم الذي صعد فيه النادي الأهلي لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا، لم أجد تلك الاحتفالات التي كانت تقام وببذخ في السنوات الماضية، علمت حينها أننا أمام جيل استيقظ ليرتب قضاياه ويضعها في مطلع قائمة اهتماماته. 

-كنت سأتحدث عن المقاطعة وعن هذا الذي بدأ لتوه فيها بعد مجادلته في هذا الصدد، وعن هذه التي تخلت  عن كل الأشياء التي تتمسك بها لتلحق بقطار المقاطعين، وعن أشياء كثيرة لكنني توقفت، شيء ما بداخلي ونداء ضمير أخذ يعلو ويعلو ليذكرني بالثمن الذي دُفع لتحدث هذه التغييرات "الطفيفة" على أمة غفت كثيرًا، هذا الثمن كان باهظًا للغاية ولا يعادل كل ما سبق ذكره، هذا الثمن كان عشرات آلاف من الأطفال، والمنشآت، والعائلات، هذا الثمن كان شعب كامل يتعرض للإبادة التي نُفذت بكل الطرق، بالقصف والحصار والتجويع، فأي فرحة أو سعادة بهذه الظواهر؟ وهل كنا ننتظر أكثر من هذا لنفيق بعض الشيء؟. ما حدث لأهلنا في غزة على مدار الستة أشهر الماضية كان كافيًا لاستيقاظ الأمة بأكملها والنفير التام وإعلان الحالة القصوى وتحريك كل الجيوش العربية والإسلامية. ما العدد المطلوب إبادته أكثر من ذلك ليفيق كل فرد في الأمة العربية والإسلامية بشكل كامل حتى لو أسفرت هذه الإفاقة عن تصحيح كل فرد لمسار حياته كاملًا وإيقاف كل ما كان يقوم به من فساد أو تخريب أو تغييب ضمائر.

اضف تعليق

أحدث أقدم