هل تعرف ما هي أسعد لحظة في حياة الكاتب؟ بقلم/ حاتم إبراهيم سلامة

 مقالات - مقالات مختارة -أقلام حرة -حاتم سلامة :
هل تعرف ما هي أسعد لحظة في حياة الكاتب؟
ربما يجيب بعضهم بقوله: "حينما يرى كتابه مطبوعًا ويمسكه بيديه".
 ويجيب آخرون: "بأنها لحظة الانتهاء من تأليف كتابه"، ويجيب غيرهم وفيه يظهر عنصرهم المادي: "حينما يخبرهم الناشر أن الطبعة الأولى من كتابهم قد نفدت، ويتجهزون لطبعة ثانية". والحق أنه لا شيء من هذا كله يسعد قلبي ككاتب، بقدر ما أسعد حينما ألتقي بأحد القراء، فيحدثني عن كتابي وهو لا يعلم أني مؤلفه.!.

حاتم سلامه

حدث مرة أن بحثت في جوجل عن اسم رسالة لي كنت قد ألفتها وأنا في مرحلة الجامعة، وكانت تحت عنوان (قيمة الوقت في حياة المسلمين) فظهر لي أحد "الجروبات"، وقد عرض أحد رواده كتابي وقال سنتناول في حلقات أجزاء من هذا الكتيب كل يوم، وذكر مقدمته وبدأ في طرح مادة الكتاب جزءًا جزءا .

 والحق أنني لا أخفيكم كم كانت سعادتي كبيرة في هذه اللحظة، سعادة لا تضارع ولا تقدر بثمن، حينما ترى الناس يتناولون أفكارك.

 نفس الأمر حينما أخبرني أحد الأصدقاء أنه كان يقلب في مكتبة مسجد من المساجد فوجد فيها كتابًا لي.!

ونفس الغبطة حينما أبحث في الإنترنت فأجد بعض المواقع الالكترونية نشرت من مقالاتي مالم أراسلها فيه أو أطلب نشرهم له، أشعر وقتها أن ما كتبته ذا قيمة وقد أعطوني رأيهم وتقييمهم دون مجاملة أو معرفة.

ولعل هذه اللحظة الجميلة مر بها كثير من المفكرين والمؤلفين..

ماذا خسر العالم

 ففي عام 1950م وبعد أن أرسل الأستاذ أبو الحسن الندوي مادة كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟) لم يكن يعلم عن الكتاب شيئا وقد مرت على إرساله ليطبع في القاهرة شهور كثيرة، ولكنه فوجئ بنسخة مطبوعة عند سفير سورية السيد جواد المرابط، وكان عضوًا بالمجمع اللغوي في دمشق، وكان قد استصحب معه نسخة من هذا الكتاب من القاهرة، ويبدي إعجابه بعمق فكر علماء الهند وأصالتهم، ويستشهد على ذلك بهذا الكتاب الذي وقع في يده لدى زيارته الأخيرة لمصر، وكان يتحدث عن الكتاب وهو لا يعلم أنه يتحدث إلى مؤلفه، فكانت سعادة بالغة، لها وقعها المؤثر في نفس الندوي.

وكذلك حينما تلقى من يحدثك عنك ويتناول معك أفكارك وهو لا يعرفك، ولا يدري أنك أنت من يلقي عليك أفكارك التي أعجبته..



 وهذا ما حدث للأستاذ خالد محمد خالد حينما كان يعبر كوبري قصر النيل إلى منزل أحد أصدقائه، وفاجأته السماء بأمطار غزيرة، وأسرع الخطى ليتقي المطر، وفجأة اقترب منه شاب باسطًا يديه بصحيفته وقال له: تفضل واتق المطر، وإن كانت عزيزة علي لأن فيها مقالا لي.
سأله خالد: إذن أنت كاتب ؟
فقال: أحاول أن أكون كاتبا
فسأله مرة أخرى: من أكثر كتابنا حظا من إجابك؟
فأجاب من فوره: خالد محمد خالد
فقال له خالد: الجدع ده اللي له كتاب اسمه إيه.. اسمه ايه... آه اسمه من هنا نبدأ.
قال الشاب وهو يضحك: أيوه هذا كتابه، لكن مش اسمه الجدع ده.! اسمه الأستاذ خالد محمد خالد.!

وانتهى الحديث بينهما إلى الكشف عن شخصية خالد، فطار الشاب من الفرح حتى قال له إنه لم ينم ليلته وأنه سيطوف على زملائه ليقول لهم انه قابل خالد، وكان من شدة انبهاره أنه حتى آخر لحظة من اللقاء يقول له: "أنا مش مصدق إنك خالد محمد خالد".


وأتذكر مرة أنني كنت في رحلة مع بعض الأصدقاء، لإحدى الحدائق بمدينة السادات، والتي تبعد عن موطننا بمسافات كبيرة، وبينما كان زملائي يلهون ويلعبون، حتى اقترب منهم رجل يتعرف عليهم، ولما عرف موطنهم قال لهم: هل تعرفون فلان؟ قالوا: نعم وهو معنا الآن، فلما التقيته ذكر بأنه عرفني من مقالاتي في بعض الصحف، حيث كنت أكتب اسمي واسم قريتي. لحظة مبهجة.. حينما تقابل من يقدرك ويقرأ لك، ويحفظ أفكارك، ويعتز بكتاباتك، نعم إنها من أجمل اللحظات.
---
بقلم / حاتم إبراهيم سلامة 
كاتب مصري 

اضف تعليق

أحدث أقدم