فاطمة رشدي الحب عن طريق الملوخية بالفراخ!!


مقالات - زمان - أشرف توفيق :
في ذكرى ميلادها - 15 نوفمبر 2019 م
فاطمة رشدي فنانة مصرية شاملة قدمت الكثير من الأعمال الفنية التى تزخر بها السينما المصرية،  لكنها لا يعرفها الكثيرون على الرغم ما جسدته من أدوار غنائية و روايات عالمية حيث أدت نحو 100 مسرحية و 16 عملًا سينمائيًا لتننحصر عنها الأضواء و تموت وحيدة فقيرة بعد حياة الشهرة و المجد نذكر منها  النسر الصغير وغادة الكاميليا و يوليوس قيصر و الذئاب والقناع الأزرق وميرمار والطائشة و أولى روايات الأديب نجيب محفوظ زقاق المدق بين القصرين.
فاطمة رشدي

فاطمة رشدي أو "بطاطا" كما يطلقون عليها أهل الفن


هي المرأة ذات الذكاء الفطري والطموح الذي لا يعرف المستحيل، راهنت على حصان كهل فازت به ومعه بالسباق!! تزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها من "عزيز عيد" وكان وقتها في الخمسين من عمره ولعبت به وبحياته، وجعلت الرجل الذي كان أستاذاً لروز اليوسف ويوسف وهبي وكل أهل المسرح الكبار، راهب الفن الذي يعرف سر المسرح ويملك عبارة علی بابا السحرية "افتح يا " فيفتح له المسرح أسراره ويظهر له جواهره وألماظه.. جعلته طفلاً يحبو في عالم الهوى والحب!! فعزيز عيد يحول القصص لمسرح ويترجم المسرح الغربي فيجعله مصرياً ثم إنه يمثل، ويحب أن يخرج بعض مسرحياته وقد فعل، فإذا لم يجدوا مسرحية كتب هو أروع المسرحيات..كان يكتب التراجيدي ويکتب الكوميدي!!.

أسماه "يوسف وهبي" "الملك ميداس" لأنه يحول أي شي إلى مسرح.. تماماً كما كان يفعل الملك ميداس في الأسطورة يحول كل شيء "لذهب"..هذا الرجل صبغ شعره بالأكسجين لهذه الصغيرة الجميلة فاطمة أو بطاطا، وأحضر لها ۱۳ معلماً ليعلمها القرآن والكتابة والفن والتاريخ وقام هو بنفسه بتعليمها المسرح وفوق ذلك فعل الحب به ما فعله مع عمر الشريف أعلن إسلامه وأصبح اسمه "عزيز الدين عيد" وقال عبارة جميلة "الدين لله، ولكن فاطمة رشدي يجب أن تكون لي!!"

فاطمة رشدي بين الحب والفن


مع أنها قالت في كتابها الذي سجلت فيه مذكراتها وعنوانه "فاطمة رشدي بين الحب والفن": "بصراحة أنا لم أحب في حياتي رجلاً بل أحببت المسرح فقط؛ فحبي لعزيز عيد هو الظاهر، أما الحقيقة حبي للمسرح".مع أن عزيز عيد لم يقدم لها شبكة وإنما هي التي قدمت له ملوخية وفرخة،وبفهمها الفطري البسيط لمراهقة اعتمدت على أن الطريق إلى قلب الرجل معدته فملأتها له !!
قالوا لها: أنه يعيش في غرفة صغيرة في المسرح يقرأ ويكتب المسرحيات ويخطط المشروعات وينسى موعد الغداء ولا يذكره إلا في العشاء. فماذا فعلت؟!
سرقت فرخة وطهتها لها أمها على ملوخية ولفتها في جريدة وارتدت ملاءتها اللف وراحت تطعم الرجل الكهل بيديها الصغيرتين ثم دعته للسينما.. وقال لها أنه لا يرى إلا المسرح!!   
ثم أنهی عناده مع أول تبويزة منها وجلس بجانبها، دخلا للسينما على طريقة العقاد في روايته "سارة" من أبواب مختلفة وأوقات مختلفة ولكن على كرسيين متلاصقين!! وحينما خرجا تجرأ كثيراً عزيز عيد وجلس بها علناً على "قهوة الفن" وكأنه يعلن مولد نجمة
وقال لها: ما هي أمنياتك؟!
قالت: أن أكون روزاليوسف!!
وقال لها: ولكن ذلك سيحتاج إلى اقترابي وتعليمك.. و.. وتزوجها!!

ويقال أنه أخذ يدربها سراً على مسرحية "الذئاب" قبل أن يقدمها ليوسف وهبي بعد أن أدخل عليها ما يريد من تعديلات تظهر كل ما في فاطمة رشدي من قدرات.. ولكن يوسف وهبي لم يبتلع الطعم وقال له: الحب أعماك يا عزيز يجب الفصل بين الحب والفن.. فاطمة تصلح لحبك ولكن لا تصلح لفنك ولكن عزيز العاشق الولهان قال عبارة شمشونية: "أنا أو المسرحية إذا سقطت المسرحية أستقيل"..

وقال له يوسف وهبي: ومن يمثلها أمام هذه الطفلة!! وشعر عزيز بالتراجع أنه كان يريد يوسف وهبي نفسه، ولكن لا تراجع ليكن الممثل "أحمد علام" فهو مكتشفه وصاحب فضل عليه.. وفي أول ليلة نجحت المسرحية نجاحا أذهل يوسف وهبي وجعله يخطط بنفسه لمسرحيات أخرى تجمع بينهما؟؟ وواصلت فاطمة رشدي نجوميتها وقررت أن تخرج على النص المكتوب رأت أن تصبح المسرحية أجمل بكسر الحواجز بينها وبين أحمد علام وتصادقا، ولعبت به.

ويقول عن ذلك مصطفى أمين: "كانت فاطمة رشدي في فترة المراهقة وهذه الفترة تحب فيها الفتاة الرجل الأب أكثر من الرجل العاشق فأحبت الفارس في أحمد علام، ومات الحب يوم أن أعاد علام الحصان إلى صاحبه وفضل ركوب الترام!!" أي يوم نهاية المسرحية وعادت فاطمة لعزيز ومعها أنواع أخرى من الطعام وألوان أخرى من الحنان لتسکن به ألمه وتسكن غيرته!! 

فاطمة رشدي ومحمد التابعي دنجوان العصر 

ثم اقتربت من التابعي لأنه كان الكاتب الكبير والناقد الفني للأهرام وكان يكتب في الفن تحت اسم "حندس"، كان اقتراباً بقصد شراء الود، ليكتب عنها، ونجحت في ذلك محاولاتها، وأطلق عليها "سارة برنار الشرق" ولكنها رفضت دون جوانية التابعی المعروفة عنه، وانتهز التابعي حادث اعتداء شاب على فاطمة رشدي ومحاولة تقبيلها بالقوة أثناء عرض مسرحية لها أمام يوسف وهبي. واصطاد بقلمه في الماء العكر، وتعكر الجو بين عزيز عيد ويوسف وهبي. لقد نقل التابعي على لسان الشاب "أن يوسف وهبي يقبلها عيني عينك على المسرح فلماذا لا يعتبر ذلك "هتك عرض"!!" واستخدمت فاطمة رشدي محامياً كبيراً في هذه القضية هو الأستاذ لطفي جمعة!! بل أنها ضربت "حندس" بالشبشب في وسط شارع عماد الدين وفرشت له الملاية وهي تقول: بقي يا أما سارة برنار الشرق يا الممثلة التي خرجت بتجارب عن النص!؟!وخرجت فاطمة رشدي وفي يدها عزيز عيد من فرقة رمسيس ولم يجدا إلا الجلوس على قهوة الفن، وبدأ سيناريو معروف عن الفنانين في ذلك الوقت، بيع أساس عش الزوجية الذي أسسه عزيز عيد بأكثر من ألفي جنيه سنه 1925
وهو يقول: ولا يهمك يا بطاطا إنتي إلهة الفن.. والآلهة لا يجوعون!!.
نجيب الريحاني

وجاء الريحاني يطلب من عزيز مسرحية كوميدية، وأن يتعاون معه كما فعل مع يوسف وهبي، ولكن عزيز قطع هذا الطريق 
وقال له: أنت مفلس مثلي ما فيش إلا يوسف وهبي بيدفع لأنه عنده كنز اسمه عائشة فهمي لا ينضب، وكان يقصد زوجة يوسف وهبي التي كانت أغنى سيدة في مصر وقتها!! 

وتدخلت فاطمة في الحوار لتقول إن عزيز لا يكتب إلا ما يصلح لها كممثلة، ولم يكن الريحاني لديه استعداد للمغامرة ببطاطا من المأساة إلى الملهاة.ولم يرد عزيز، وفهم الريحاني أن الاتفاق يكون مع الست فانصرف وهو يردد "وراء كل عجوز بديعة مختلفة" يقصد بديعة مصابني وهي عقدة خاصة بالريحاني!!وطالت الأزمة، وقال عزيز عيد: إن أربعمائة جنيها في يده تكون أكثر من مئات الجنيهات في يد يوسف وهبي، وأن ذلك كل ما يطلب، وبدأت فاطمة رشدي تسعی للحصول على هذا المبلغ بأدواتها الحديدية على مبدأ ميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" وجاء من يقول لها لقد وجد الحل؟! إنه تاجر قطن كبيراً كان يهوى الممثلة "عزيزة أمير" ثم هربت منه ورفضت العودة له وأنت تشبهيها تماماً وقالت له:"وما الثمن؟!" وأجابها أنها مغامرة لا أعرف نهايتها؟! وقبلت وجاء المليونير التاجر "إيلي الدرعي" له أصول يهودية، يمتلك بنكاً بأسره له فرع في أمريكا، يتمتع بصحة جيدة، وأعصاب رجل المال القوي.. 

كان رجلاً أعطى ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، ولكن بطريقته فأعطى لعمله ما يستحق وأعطى لنفسه ما تشتهي من متعة وسرور، وكان يجيد ست لغات - إحداها العبرية بالطبع - ولا يعرف أحد ماذا أعطى بعد ذلك لله!! قابلته في الفندق، فأعجب بها وقال لها: طلب واحد لك دون طلبات مني.. ووضع في شنطتها أربعمائة جنيها مصرياً وودعها وهي تنصرف.. ولكن فاطمة لم تكتف؛ ففي اليوم التالي ذهبت إليه لتشكره فطلب منها أن تصحبه ليشتري لها هدية، وكان الرجل عند كلمته إنه لا يميز معاملاته مع النساء عن سائر المعاملات "لا شيء مجاناً" وعندما انتشرت الشائعات جلست فاطمة لعزيز رقصت عليه القصة كاملة. وقال عزيز أنه سوف يطلقها حرصاً على كرامته وعزة نفسه ولكنه لا يزال يحبها لا يعرف ما يميت الحب أكثر مما سمع ولكن حبه لا يموت!! واتفقا أن يظل إلى جوارها كأستاذ. وأنه سيعود كما كان يغرق نفسه في دوامة العمل الفن والمسرح لعل ذلك يضمد الجراح!! 
فاطمة رشدي ويوسف وهبي
وبسرعة كان "إيلي الدرعي" يفتح حسابه بالبنك الأهلي لفاطمة رشدي بعشرة آلاف جنيها "يمكن أن يضربها في مائة الآن لتعرف قيمتها" واستأجرت فاطمة مسرح دار التمثيل العربي واستطاعت يد عزيز الساحرة المدربة أن تخلق منه مسرحاً عظيماً وقدمت الفرقة خمس عشرة مسرحية بتمويل من هذا المليونير منها "غادة الكاميليا" و"النسر الصغير" و"حواء"، وكتب لها عزيز عيد مسرحية "بسلامته بيصطاد" حکی فيها حكاية المال والجمال، وكيف تسرق الثروة الناس من الناس ومن أنفسهم!! وأوقف المليونير المسرحيات التي يكتبها عزيز، وأبقاه كمخرج أي من وراء الكواليس وشجع فاطمة رشدي على التعاقد مع غيره منالكتاب. وأصبح أحمد شوقي أمير الشعراء يحضر كل يوم إلى فرقة فاطمة رشدي؛ فقد كتب لها رواية "أمير الأندلس" و"مجنون ليلی"، وأعادت تمثيل "کيلوباترا" بعد أن مثلتها منيرة المهدية، وأمام عبد الوهاب أيضاً!! 
فقد قال عبد الوهاب لفاطمة رشدي أنه لا يجد نفسه مناسباً الآن للعمل بالمسرح الغنائي؛ فشکته إلى أحمد شوقي، واعترف له عبد الوهاب بأنه معقد من هذه المسرحية بالذات لأنه حينما مثلها مع منيرة المهدية وكان وزنها وقتها "۱۱۰ك.م" كانت تتعمد كل ليلة في نهاية المسرحية بدلاً من أن ترتمي إلى جواره من أثر سم الثعبان أن ترتمي فوقه وإنه في إحدى المرات أغمى عليه!! ومرة كان حيطلع في الروح!! فقال له شوقي مثلها يا محمد وأكيد أنت تتمنى أن تفعل مع فاطمة، ما فعلته منيرة المهدية!! 


فاطمة رشدي : لقد أحبني أحمد شوقي أمير الشعراء !!

وتجرأت فاطمة رشدي أو بسبب ذلك تجرأت ونشرت في مجلة الكواكب 1993 أنها كانت في حالة حب مع عبد الوهاب وأحمد شوقي وقالت إن أحمد شوقي کان يجلس إليها ويدرس لها ويرتاح لشخصيتها وأنه أحبها كما أحب من قبل الفنانة عزيزة أمير ولكنه كان كتوماً ويحلم بالباشاوية فلم يترك نفسه على سجيتها مع انطلاق عواطفه!! ثم أنها كانت تشبه جداً عزيزة أمير في ذلك الوقت!!وحدثت الأزمة العالمية وبأموال المليونير بدأت تعمل الحفلات المجانية للطلبة، وتمثل الروايات المقررة عليهم لترويج المسرح ولم تفز من ذلك إلا بلقب "صديقة الطلبة"، وبدأت تفكر في السينما ولكن المليونير المتيم مات بعد أن أنفق على فنها ثروة تقرب من نصف مليون جنيها، وتركها وهي بين يدي المخرج كمال سليم ليجعلها بطلة لفيلمه "العزيمة"، وهو من الأفلام التي يؤرخ بها للسينما المصرية، ولأن كمال سليم جاء في وقت خلا فيه الملعب من مال، جاء الحب وتزوجته وأحبته حب القصة الأخيرة كانت تحبه وهو يحب رجولته وغار عليها، وكمم حريتها، وقال لها: أنت كالفرسة تجمح إذا لم يشد اللجام!! وحتى حينما جاء لها عزيز عيد يشكو لها أنه أسند له دور عربجي في فيلم "إلى الأبد" وهو أبو المسرح وأنه لولا الحاجة ما عمل، لم تتحرك وقالت له: كمال هو المخرج في السينما؟! وخرج من عندها عزيز مريضاً.وبعد يومين من الحادث فوجئت بمرض أمها فاشترت لها مقبرة تحسباً لما يمكن أن يكون، ولكن عزيز عيد كان موته قبل الجميع، فدفن في المقبرة التي اشترتها هي لأمها فسبقها إلى النهاية؟!
 لقد شعر عزيز بأن فاطمة ليست مع كمال سليم كما كانت مع كل الرجال، إنها لا ترضي غرورها وطموحها، ولكنها ترضي قلبها، شعر بأنه يجب أن يرحل..ولكنها من نفس الكأس شربت، طلقها كمال سليم حينما طلبت منه أن تكون بطلة أفلامه، وهو يقول: لست عزيز عيد.. نعم ليس كمثل حب عزيز عيد لها!!

بقلم
أشرف مصطفى توفيق

أديب وكاتب صحفي 

اضف تعليق

أحدث أقدم