لعنة الأمل .. بقلم بتول يوسف


نثر وخواطر - بتول يوسف :
عزيزي القادم ، الرَّامق إليَّ بعين اقتراب ، ألتمس منك عذراً إذ تلمَّست مني غير اكتراث ، يسرني بشدَّة اهتمامك ، ويؤسفني أن أبدأ حديثي معك بكذبةٍ كالتي أسلفتها ..كما تعلم المجاملات ضرورات !
أتعرف لما أتجاهلك ؟
بتول يوسف

ليس ترفعاً ولا غنجاً ؛ أنت تحسب ذلك ..الحديد يا سيدي المغامر صلبٌّ لا يلين وأنا كيانٌ حديدي صُهر كثيراً بحيث خبر النيران فلم تعد تغريه !
ستتقدم ..وأبتعد ..
ستقترب ..وأقف فضولاً لأعرف ما أعرفه مسبقاً..
ستتبختر ..ستستعرض ..ستبهر ..لأنبهر ..
سأخبرك كلَّ ما تود أن تعرف ..فتحسب نفسك ولجت غوري وخبرت سري ..
ستصبح روتينا ً ..
سنتحادث صباحاً ,مساءً ,ظهراً ,عصراً ,ليلاً ,فجراً ..و!!
ستحسب بهذا أنك ملكتني !
ثمَّ سأبدأ بالملل ..
ستكرر تهريجك ..وأكرر تصفيقي
ستكرر أفكارك ..وأكرر إعجابي
ستكرر كلماتك ..همساتك ..صوتك ..نظراتك ..بحيث لا يغدو الهمس وإن كان لفظاً قريباً للقلب والأذن ..لا يغدو منك سوى تكراراً !
لا أظنك الصوت الذي يتجدد فأسمعه مرنماً في قلبي ..
لن يكون وجهك أحلامي ويقظتي وخوفي ودموعي ..والوجه الذي أرى فيه مدينتي ..
أنت فقط تلفزيون !، ستعرض بهرجاتك لإمتاعي ، ثمَّ ماذا ؟!
ثمَّ سيستبد بي الملل ، سأتوقف عن إبداء الإعجاب ، سأتوقف عن النقاش ..سيكون رد فعلك هستيرياً ، ستغضب، ستصرخ، ستندد ، ستشاجر ، ستحزن ، ستصمت ..وأياً كان أنا لست أشعر!
كلماتك ..كلماتي ..هذا النقاش ، أنا وأنت ، هذه الحاله ..
أنا لا أشعر بها في قلبي ..هي لا تخض حواسي ، أنا مخدرةٌ عنها !
أنا أتألم ..أتألم من شدة الملل ، أتألم من كونك نسخةً مكررةً ..

أليس مؤلماً أن تكرر فيلماً ما عدةَ مرات ؟
أن تكرر تفاعلك معه ..بهجتك به ..استكشافك له وشعورك به إلى أن يموت فيك الشعور ؟
تخيل لو أنك تمشي في شارع والوجوه كلها منسوخه عن بعضها !
ستعود لتضع الشريط على الرف وأنت تدرك أن الحياة ستقذفه إلى يديك مرةً أخرى !..
وبعد ؟!
ستتصل بي ليلاً لتخبرني كم اشتقتني بعد فترة انقطاع ، ستدعي عليَّ قسوتي وطغياني ، ستلوح بكرامتك التي لم أمسسها وستجعلها شماعةً تعلَّق عليها غيابك ..

لن أخبرك كم أنت كاذب ..
لن أخبرك أن أحدنا بعد هذه المهاتفه قد حزم أمتعته مستعداً للرحيل ..
لن أخبرك أن موقف الوداع الذي فرضه عليك اليأس ..يحتم عليك أيضاً الاعتذار بطريقةٍ أو بأخرى ..
أتعرف لم ؟
ببساطةٍ أتحاشى أن أدخل معك سجالاً تكذبني فيه ..
وتتعب جمجمتي بإنكارك قولاً لتكرر ما أقوله فعلاً ..فتمضي!..

أليس عيباً أن نكرر هذا الغباء؟
أفلا تستحي أن تضرب وعوداً ضربها أسلافك ؟
أفهل أرضعتكم الحياةُ جميعاً الكذب مع الروتين اليومي؟
أفلا تخجل أن تكون صفعة يلقيها القدر على آمال أحدٍ آخر ؟ ..
تراقبني أنت الآن ، تلمع عيناك بفرط سذاجه ،
تبتسم كما لو رأيت ملاكاً أو حوريةً من الجنان ..
نحن الآن في البداية ..ستقترب ..
ولن أمنعك ..لأنها لعنة الأمل
--
بقلم / بتول أحمد يوسف
قاصة وكاتبة مقالات صحفية 

اضف تعليق

أحدث أقدم