اجرأ حوار مع صافي ناز كاظم , حاورها فيه الكاتب الكبير : أشرف مصطفى توفيق

" السيدة صافي ناز كاظم كاتبه من نوع خاص. هي متميزة لا تشتبه بسواها ، متفردة في طريقة كتاباتها وصياغتها وقاموسها الذي ينتمي إليه وحدها. هي دائما ًتبدأ بالذات وإليها تنتهي.وهذا بعض حق الكتابة التي لا تعتبر الكتابة " عملا ًتؤجر عليه "
صافي ناز كاظم

صافي ناز كاظم : امرأة من برج الأسد ..

يسكنها الشجن كهمسة ناي ..تحتمي بالعناد وقوة البراءة .. في صوتها زنين صهلله شلل الأحبة .. وتعرف كيف تغيره من البلبلية إلى البلالية وبالعكس ..شهرتها أنها تعشق المسرح كعشق ولد الولد، فنوارة ابنتها تزوجت وصارت صافيناز ( تيته).  وتقول بوضوح : ما أن يكلفني أحد بكتابة حتى يدب النعاس أوصالي ، وأدفن رأسي في وسادتي وأعلن وفاتي، ذلك أنها ترى فعل الكتابة هو تمام الحرية ، وتمام الصدق , الكتابة جمال ، والجمال صدق ، والصدق حرية مطلقة ، نافذة على مصراعيها مفتوحة وحين تضيع هذه الحرية،وتقع بين المغلق ونصف المفتوح يكره الكاتب الكتابة ويعمد إلى الهروب منها ذلك عندما توصد في وجهه الأبواب وتغلق النوافذ وتسد الدروب بالمحاذير، تضحي الكتابة مونولوجا  حوارا ًمع الذات لا يعطي ميلادا ً، فكيف تلد من دون أن تتلاقح كلماتك مع ذوات الآخرين ؟ ما فائدة أن أكتب إن كنت لن تقرأني ؟ !.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده وفي حياة السيدة صافي ناز كاظم خبرة قاسية ،لكنها نموذجية لمن كان مثلها في سنوات السبعينات الكالحة ، وهي تحدثنا عن هذه الخبرة في تقديم كتابها " من ملف مسرح الستينات 1992 " : كانت تعمل تحت رئاسة أحمد بهاء الدين رحمه الله – في مجلة " المصور" ثم نقل بها إلى مؤسسة الأهرام،وجاء بديلا ًعنه آخر من يمكن أن يكون بديلا ً، تكمل صافي : جاء " إيان سميث " أو " مكارثي " الثقافة المصرية : الأستاذ يوسف السباعي . " قبل أن يرتشف الأستاذ السباعي أول فنجان قهوة على مكتبه الجديد،استدعاني،وقال لي وهو يرشق عينيه الزرقاء القاسية في منتصف جبيني : يكون في علمك إحنا مش عاوزين نشوف اسم صافي ناز كاظم ده منشور أبدا ً. وهكذا انحسر إسمي عن النشر في السبعينات: فمنذ 1/8/1971 حتى 25/3/1983 تحقق قرار السباعي بحذافيره "،والتي عادت إلى النشر في 1983 كانت صافي ناز كاظم مختلفة : " أتاحت لها تحولات الواقع – إلى جانب خبراتها الشخصية – أن تعيد النظر في كل ما كانت تؤمن به  استبعدت كل ما رأته غير ضروري ، وأبقت على أقل القليل الذي رأته جوهريا ًفي التجربة الإنسانية "
قابلتها بمنزلها في العلالي ..الدول الـ 12 بالعباسية،الحي الذي أحبته ولم تغادره منذ 1945 إلا للسفر،غيرت شقتها ثلاث مرات ولم تجرؤ على تغيير العباسية !..فتحت لي ( نوارة ) الباب كنسمة صيف ندية ، فبدت لي راضية كامتداد فرع شجرة خضراء في دنيا الله بحجابها المزركش ونظراتها الحيية ..
جاء صوت صافي ناز كاظم من الداخل في حالة بلالية يعلن عن مقدم فهده جاهزة لتصب وعاء من الغضب تحمله دوما ًفوق رأسها على أحد .. نزلت على رأسى مياه غضب ساخن كان المقصود به" الناصرية والناصريون المعاصرون " كالعادة قالت صافي ناز للحلو .. يا حلو في عيونه ثم بدأت نبراتها تهدأ لتنزع عني غربتي وتجلب لي ألفتي وعاد لصوتها نبراته البلبلية ليصبح كقفشة أنس في آخر الليل ، وبدأت قفشاتها القاسية التي تصدمك وتحدث لك نزيف داخلي وتصبح معها صافي ناز في ( مود ) حزين تجد معها لصدقها عيونها ندية بالدموع ..
فمثلا تقول بسخرية : أنيس منصور بيعيط في كل كتاب يكتبه على 6 شهور منع فيها من الكتابة، ومفيد فوزي عامل مندبة، لأنه لم يكتب لمدة سنة ، أنا أعمل ايه أصوت بالحياني لأنهم منعوني من الكتابة12سنة ؟!
وقفشة أخرى: سجنوني بتهمة إني ( شيوعية ) مرة ، بتهمة إني ( شيعية ) مرة .. وأنا خائفة لتكون التهمة الثالثة برضوا بحرف الــ ( ش ) ودي عايزة بوليس الآداب ؟!!
وتأخر الضغط على جهاز التسجيل، وأطلت مدة السماع لها ( مونولوج الحالة الشعورية ) وقت اللقاء ولكنها قالت: نعتبر ده تسخين يالا يا سيدي قول الكلمة عالي بالصوت البلالي كامش ليه وخايف فرج الشفايف ولأن ما قالته كان أبيات تغنى بها ( الشيخ أمام ) وبالصدفة كنت أحفظها فقد ضغط على مؤشر ( Record ) بجهاز التسجيل وأكملت الأبيات ردا ًعليها :   هو العمر واحد ولا العمر ميه .
وجلجلت ضحكة صافي ناز كاظم وقررت أن أبدأ معها من تاريخ هذه الجلجلة في ( أخبار اليوم  ومجلة ( الجيل )..بدأت أعيد معها ذاكرة "الرومانتيكيات" قلت لها : كتابك الأول رومانتيكيات الغلاف فيه صورة لك وقد خلعت حذائك،ووضعتيه جانبا ًمقلوب في وجه القارئ ؟! الغلاف غريب ولا يتماشى مع العنوان – فسر ذلك وقتها " أحمد بهاء الدين " بأنك تريحي قدميك من السفر  أنا غير مقتنع بالتفسير ؟!
قالت :أنا لم أخلع الجذاء أبدا ًوهذه الصورة حقيقة لي متفق عليها كتصميم للغلاف بيني وبين حلمي التوني، وصبري المصور، وهو غلاف يسخر من الرومانسية القديمة ويبشر بما كتبت عنه وقتها وهو" ينورومانتيسزم " فالرومانسية الجديدة يمكن أن تكون في كعب الحذاء وكتبت عند النعل عبارة ( رومانتيكيات ) لأقول أنا مشواري رومانسي ولكنه رومانسية أسفلت الشارع ،وكنت قد تعرفت على هذه الرومانسية أثناء رحلة دراسة في أمريكا 1960 فقد أهداني صديق وردتين حمراء وبيضاء.وكان هذا غريب، فالأصدقاء يهدون وردة واحدة وحينما سألته كانت إجابته أغرب ولكنه أرجعها للرومانسية الجديدة قال ( لأنه يدفع دولار ثمن وردة واحدة – ويدفع دولار ثمن وردتين )
قلت لها : الحب ابن الرومانسية ..فما حال الحب معك .هل الرومانسية الجديدة جعلته غير ضروري كما قلتي في قصة " شيء ضروري " فقط قالت البطلة " أنا دائما ًاعتقد أن الحب ليس ضروريا ًوأنه معطل يشغل به الفارغون وقتهم " وكررت المعنى على لسان الكاتبة " رصف الشوارع أهم وأبقى " في مقال " فصيفصاء ظافرة " في كتابك " تلابيب الكتابة ".

قالت : ولكن بطلتي قالت في القصة: " وانه لو فرض ونقر الحب بابي فلن أفتح له إلا إذا ألحت دقاته وأزعجتني "يعنى لازم الحب يكون لحوحا..والقصة لا ترفص الحب الرومانسي ولكنها ترفض أن يكون الحب (جنس) فإذا كان الحبيب يريد ( الجنس ) يصبح الحب غير ضروري أما الحب عندي أو عند الكاتبة فهو حب عذري أو أفلاطوني أو حب لا يتكلم بصوت وشفتين فأنا لم أحلم بفارس على حصان – ولكني مريت بلحظات حب حقيقي- فأنا بطلة عدة قصص حب ولكنه حب صامت لأن في الرومانسية الجديدة "في الحب مشاعر الغضب والفراق والقلق والحرمان كلها حلوة" فأنا لا أقول لأحد : أحبك ، لأني ضد المطاردة والتوريط فالمثل الفارسي يقول ( شيئان لا يخفيان : الرائحة والحب ) فالمرأة التي تحب لابد وأن يلاحظ ذلك الرجل الذي تحبه ..فإذا لاحظ وتجاهل فلا يجب أن تقول ، لأن ذلك ( ابتزاز )،( يعني إيه عاوزة تتقل كتافه.. باحبك .. باحبك .. يا سم ) لأنى انظر للأمر من منظور متبادل .. يعني لو واحد طلع في دماغه يحبني .. خلاص عمل اللي عليه وأنا ملزمة بحبه بقى أنا لا أحب أن يورطني أحد أو أورط أحد في العواطف ، وزمان "طارق فوده" كتب شعر في واحدة قال لها بحبك فقالت له روح بعيد . يقول لها :[ لست سوداء الثياب : أنت سوداء القلب] وأنا قلت له ده مش شعر دي سماجة !! وفي أمريكا حدث لي نفس الشيء وفي عز الشباب صديق عزيز حاول أن يحول الصداقة إلى حب بل وطلب الزواج وأنا كنت في أمس الحاجة لمن يشيل عني عبء الحياة المادي هناك وبخاصة اني كنت أعمل في ظروف صعبة - تجربة من تجارب التشرد والقيمة – ورغم ذلك قولت له .. لا .. ما ينفعش . فالحب عندي معناه : انا لا أملك ولكن أتمتع ، الناس متصورة أن علاقة الرجل بالمرأة في أي مستوى علاقة جنسية وأنا لا أرى ذلك إلا بالزواج الشرعي – ولأنه يصعب الزواج من كل من نحبهم فعلينا أن نرى الجوانب الأخرى الجميلة في الحب وأن نجعله ابن الرومانسية كما قولت مش بيلعن أبو خاش الرومانسية ، يا سيدي الحب لا يحتاج للتفعيص باليدين .. وصاحت تزآر : (ولعلمك أنا لا أحب الرجل المقترب من حدودي دون أن أعطيه أمارات المرور ولو حاول يزهقني يبقى عامل زي الحلاوة الطحينية.. يفرش زيت.. ويركز على القلب ..ويقرف ) عجبتني عفوية العبارة فوضعتها بين قوسين وأصبحت أستخدمها مع بعض البشر ..فهناك نوع من  البشر (يفرش زيت ويركز على القلب ) ..

حاولت أن أستثمر حالة البلابل في صوت صافي ناز كاظم ..وأخذت رشفة من الشاي المضبوط الذي قدمته لي 
وقلت لها : لو وضعت أول كتاب ( رومانتيكيات ) مع آخر كتاب ( تلابيب الكتابة ) أعتقد أني أستطيع قراءة سيرة ذاتية لك من شارع الرصافة في محرم بك إلى شوارع العباسية ؟               
قالت : الإجابة بنعم تكون ناقصة فأنا كل ما كتبته سيرة ذاتية ، كتابي عن ( الخديعة الناصرية ) كتابي عن ( السفور والحجاب ).. ما كتبته عن المسرح .. كله أنا .. حتى قصصي القصيرة عشتها ورأيتها هل قرأت قصة ( مونولوج فتاة مهزومة ) إن أبطالها أنا وسناء البيسي وزينب صادق - هل قرأت قصة ( حاجة ) إنها قصة خلع الدبلة بيني وبين الفنان الموهوب "عمر النجدي" عجبتني الـــFarm  وأنا أفكر هل يمكن أن نكمل معا ًفنفذتها وبعدها كتبت " القصة والوداع " وقصة ( لولا أن الرجل موجود ) كتبتها من مكاتب أخبار اليوم 56 ولم أنشرها ولم أمزقها وحينما رأتها سناء البيسي وتذكرنا أصحابها نشرتها في مجلتها "نصف الدنيا" أنا مؤمنة بعبارة الشاعر ممدوح عدوان : 
"الكاتب لا أسرار له ، لأنه بالأصل يكتب أسراره "                                       

قلت لها : سؤال شخصي مباشر لماذا تزوجتي البوهيمي الفاجومي أحمد فؤاد نجم؟! 

قالت : هناك عدة أشياء متداخلة ، فأنا عندي كل الأبجديات لأكون شاعرة والغريب ألا أكون !وأحب الفقراء والبسطاء وأقترب منهم وأكتب بمنطقهم .وأنا دارسة للنقدالمسرحي وأضعت فيه 6 سنوات غربة ودخلت عالم نجم من شعره الذي أرضى عندي كل هذه الأشياء .. هو شاعر بالشعر البسيط ذو البعد المسرحي وهو لسان البسطاء والفقراء فتزوجته كرمز بداخلي وليس كاحتياج أنثوي لرجل . هل تصدق أني تزوجت نجم ، لأني أحب مصر ؟! لقد أردت أن أحافظ عليه كقيمة .. فهو ضائع ، صانع تركيبة غريبة من البشر تشبه الجمل الذي خلقه الله بصنم ليصبح هو الحيوان الوحيد القادر على الصحراء ، نجم كان الشاعر والذي أعده الله لمرحلة الخلل في الفترة الناصرية .. صوت يقول أشياء بطريقة مختلفة وقاطعة . حينما قال تتزوجيني يا صافي ؟! شعرت بأنه يقول : احميني من ما أنا فيه .. فهو يشرب ويعرف الحشيش ويجلس في أي غرز وتزوجته لأحافظ عليه كنت : ممرضة نجم التي تزوجت شعره . كان شعره ضد ظلم الناصرية هو مهري ورضيت بذلك .

 قلت لها : ولكنه .. ولم أكمل وكأنها تعرف باقي السؤال وتتوقعه وسمعته ألف مرة .
قالت : نعم تزوج علي ، فطبعه ضد ما أرادته له ، عند السكر يبقى لازم غذاء مناسب شاعر يبقى لازم يعطي شعره وقته ولكن الطبع غلاب تزوج بلبع ، ولكن زوجته الأخيرة صديقة لي وأنا أتدخل بينهما فلازلت أحاول أن أحافظ عليه من بعيد بطريقة ( الرمود كنترول ) فهو أبو نوارة ..
أحمد فؤاد نجم
قلت لها كتبتي تقولي : أنا مولعة بكتابة الخطابات ، أستريح فيها وأكتبها بسهولة وحلاوة عندما لا أستطيع أن اتبين ملامح من أكتب،أفضلها على مذكراتي وعلى تدوين الملاحظات ،لذلك فخطاباتي دائما ًتقول كل ما أود وليس فقط كل ما أريد .أين خطابات صافي ناز كاظم ؟!
قالت : أنا أتحايل على الكتابة بالرسائل وبيني مراسلات مع الأستاذ / أحمد بهاء الدين وآخرها محاولة توهم أني أكتب له لأفش غلي فيما يكتبه ( حسين أحمد أمين ) نشرتها في الهلال بعد وفاة بهاء وقد بدأت ( الرسائل الأدبية ) في أمريكا مراسلة لمدة 25 شهرا ًمع أحد الشعراء الكبار،وهذه الرسائل نشرتها في كتاب ( رومانتيكيات ) والغريب أن هذا الشاعر ادعى أنه أحرق رسائلي حينما طلبتها منه وقال ذلك بشيء متخلف ورجعي النظرة للمرأة قال لي : عرفت إنك تزوجتي فأحرقتها .. ولهذا نشرت صور ما وجدته عندي .. لأني لا أخاف مما أكتب ولأنها مجرد رسائل أدبية بين أصدقاء وليست غراميات .وهناك تجربة ( مراسلة أخرى ) رسائل بيني وبين الشاعر السوري ( ممدوح عدوان) وهو سوري له قصائد لها طابع سياسي وهو حاد السخرية وابن نكتة وسريع البديهة وآخر دواوينه الشعرية ( هذا أنا أيضا ً) وهو يعتبر الديوان رقم 12 له .كانت رسائل بشحنة الصداقة أو المحبة أو الإيحاء بالحب،وقد طلبتها من ممدوح عن طريق الدكتور "رفيق الصبان" قلت له أعطيه رسائله وخد منه رسائلي وبالفعل تم التبادل وكان ممدوح عدوان عند حسن الظن ( ولأني عايزة رسائلي لأنشرها لا لأحرقها أو اخفيها ) فقد نشرتها مرتين مرة في الهلال بعنوان " فانتازيا الإيحاء بالحب " ومرة في كتاب تلابيب الكتابة بعنوان " فانتازيا رسائل قديمة " ، أدخلت فيها بعض المونتاج والزيادة – وأتذكر وقتها أن الشاعر ممدوح عدوان كان يصغرني بــ 5 سنوات وهو ممتلئ بالمرح والثقافة وكانت خطاباتنا على موجة من السخرية والذم على الأشياء عالية الصوت والنبرة .
قلت لها : ما الفرق بينك وبين غادة السمان في نشر هذه الخطابات ؟!
قالت : رسائلي خطابات أدبية بين أبناء مهنة واحدة .. ليس فيها إلا الصداقة ، ولكن غادة السمان كان بينها وبين غسان كنفاني قصة حب حقيقية ، معروفة ، وهو رجل متزوج وله أولاد وكانت خطاباتهم رسائل غرامية .فإذا نشرتها فلماذا ؟! ثم إنها لم تفعل مثلي وتنشر رسائلها ولكنها نشرت رسائله هو ؟! فحولت غسان وهو مناضل فلسطيني كبير من رمز إلى رجل .. ورجل حقير . رخيص . خائن . وكان ذلك في وقت تقوم به زوجته في تحويله من رجل إلى رمز في مؤسسة باسمه تجعل مردودها لصالح أطفال فلسطين وبعد الكتاب أصبحت الزوجة غير قادرة على أن تستكمل مشوارها .
قلت لها : هناك من يقول : أنك ترتدي الحجاب على البنطلون الجينز ؟!
وياليتني ما قلت وحاولت أن اخفف عبارتي يعني أصبحتى أكثر تشدد في الدين ؟! ومع نظراتها الثابتة لعيون لا ترمش كنت أغير في صيغة السؤال فلا أنا أحب أن اتهمها بشيء ولا أقصد .. ولا أحب أن أنقل نبراتها من الحالة البلبلية .. وأخيرا ًقلت لها يعني أصبح لك توجه ديني فيما تكتبين .واصبحت فى وش المدفع
وقالت : أنت بتلخبط "
وتحملت ولم أرد أحب أن أسمع ما بعد ذلك،ثم من يرد على صافى ناز وهى غاضبة؟!

صافي ناز كاظم : طول عمري مسلمة وملتزمة

واستمرت :أن طول عمري مسلمة وملتزمة ،حتى إني كنت أنزعج وأندهش إذا سمعت أن فلانا ًيشرب بيرة وقد وصفني أحمد بهاء الدين " بأن مظهري الصاخب يخفي في باطنة نواة من الجد الصعب والصرامة القاطعة " وحتى حينما ارتديت البنطلون في رحلة أوتوستوب لأوروبا سنة 1959 كان الإسلام هو الرداء الحقيقي الذي ارتديته " بالطبع التزامي كان بدرجات متفاوتة أصبحت مع كل مرة أكثر رؤية وهذا عمني بالأمان ودعمني وحررني أكثر وخرجت من حالة (المسلمات المرتبكات:اللي بيصلوا ويلبسوا ملابس قصيرة أو يزموا في الحجاب ويستعدوا للعمرة ، تركيبة عايزة هزة ) ..أما الأدب فلا يمكن تسميته في ذاته ولكن الكتابة تكون من خلال أيديولوجية .. هذه الأيديولوجية تجري في دمك ولا تستطيع التخلص منها فهي تحري في دمك..بحكم تكوينك وميلادك وعقيدتك وبالتالي ومن هذا المنطق هناك أدب ذو توجه إسلامي وأدب له توجه مسيحي أو يهودي إذن للأدب هوية تستمد من الأيديولوجية ولا تستمد من مواضيع بعينها،وهي بالطبع مسألة غير مقصودة فكل كاتب وعاء لهذا الفكر الذي عرفه وسرى في وريده وآمن به .

قلت لها : أريد أن اعرف ذكرياتك ببنطلون " الجينز " والرحلة الغريبة العجيبة الـ Auto Stop !!

قالت : السفر من ضمن القيم التي يقدرها طه حسين فهو يقولا " الأمي هو الذي لم يسافر " وده كان 1959 فأخذت هيتشهيكن وسافرت أنا وأختي وسافرت موافقة أخبار اليوم وكان معنا 20 جنيه لنلف أوروبا و ( مصطفى امين قال لنا انتم حتنجحوا ومكاتب اخبار اليوم في كل مكان تحت أمركم ) ..( وكان موسى صبري خايف علينا ) وركبنا عربة أخبار اليوم مع الدشت حتى بورسعيد ومن هناك اخذنا مركب ( أجممنون ) أونديك على ظهر المركب بدون أكل ونزلنا بيروت وحاولنا نطوف لبنان لكن (سعيد فريحة ) هاجمنا وقال لنا : ده هلس ..واتفقنا معه ان نعمل في ( الصياد ) ومن هذه ( الفلوس ) نسافر فقال : ما بيخالف .. وهناك قابلت : ميخائيل نعيمة وفيروز , وبعدين روحنا اليونان .. وجدنا أن مفهوم الأوتوستوب حتى في اليونان قلة أدب . وقابلنا صحفية يونانية قالت لنا : الأوتوستوب شكل من أشكال التسول ..أما إيطاليا فهي بداية المعرفة الحقيقية لمعنى الأوتوستوب الناس مؤدبين وكرماء وكانت في مساعدة منهم وركبت شاحنة كبيرة حتى بلد اسمها ( أنكونا ) ثم عديت جبال الألب حتى سويسرا – وذهبنا لألمانيا وقابلت أخي هناك وطبعا ًكلت كويس واعتنينا بأنفسنا ثم وصلنا إلى باريس وأحييت أن أتفرج على كل أماكن زهرة العمر التي كتب عنها " توفيق الحكيم " ومن مرسيليا ركبت مركب إلى الإسكندرية وبلا طعام !! وأذكر إنني أثناء وجودي في إيطاليا قابلت " البرتومورافيا " ولاحظت أنه أعرج وكان منزله بسيطا ًولم يكن منزله في مستوى الثراء الذي نراه اليوم وبالطبع كنا نكتب كل شيء نراه ونرسله إلى مجلة ( الجيل ) ونشرنا صورة لنا معه وكان  ورانا عربة هي بار إيطالي وكان عليها كميات كبيرة من زجاجات الخمر ..وأول ما رجعنا سألونا عن الحكاية دي ولكننا لم نكن نعرف ذلك ولا شعرنا به ولا عرفنا معنى هذه العربة التي كانت في خلفية الصورة . وحينما انقد ذاتي الآن أجد أن هذا كان تبديدا ًللجهود وأنني خرقت أصولا ًإسلامية ابتداء بالزي الذب كنت أرتديه – الجينز – والتعرض لركوب سيارات غير مؤمنه وهي مخاطرة حمانا الله منها ، ثم سافرت إلى أمريكا لدراسة – سنة 1960 – وإعداد الماجستير في النقد المسرحي،وقد أفادتني في أن أعتبر نفسي جزءا ًمن المجتمع العالمي " الغربي " ولكن هذا المجتمع لا يعتبرنا جزءا ًمنه، وكانوا يسألونني عن ثقافتي فاكتشف إنني أهملت جذوري وقراءة رصيدي من التراث الثقافي وإنه لا بأي بالاطلاع على ثقافات الآخرين ولكن بعد التشبع بتراثنا حتى لا نصبح مقلدين وتابعين .. وابتدأت وأنا في أمريكا بقراءة كتاب " العدالة الاجتماعية في الإسلام " للأستاذ سيد قطب واكتشفت إنه كان ينادي بالعدالة الاجتماعية.كنت أرضا ًمسروقة من الإسلام ويجب أن تتحرر وترفع رايات الإسلام عليها,فقمت باستحضار المظهر والزي الإسلامي كاملا ً.وإعلان أيديولوجيتي الفكرية كمسلمة .
قلت لها : ما هي أيديولوجيتك الإسلامية .. كيف تطبقيها .. ما هي رؤيتك .. ما هو أقل القليل الذي رأيتيه جوهريا ًفي التجربة الإنسانية ؟!
صافيناز كاظم
قالت : رؤيتي أني لست ملاكا ًبلا أخطاء ولكني إنسان يخطئ ويصيب في ظل توجه إسلامي .. فلا أكابر في الخطأ وإنما أعود وأستغفر وأطلب العون إلا أفعل ذلك .. وأجعل الإسلام نظام شمولي تام في حياتي ، فإذا وجد نص عن زي يجب أن ترتديه المرأة وهو ( الحجاب ) في القرآن الكريم،لا أكابر بل أمتثل فلا مساومة وجدل أمام أمر قرآني ولكني أكابر وأناقش ولساني طويل في كل ما هو خارج الحكمة الإلهية ، فأنا أصلي وأطلب من الله أن يرزقني الكتابة .. أنا لا أعتبر هذه الموهبة بعيدة عن العطاء الرباني وحدث في حديث إذاعي لي بدولة عربية أن اندمجت ودندنت بالغناء "أحب الغناء والطرب" فقالت لي المذيعة : غناء المرأة حرام ولا حلال ؟! أرادت أن تحرجني ، فقلت لها : حرام ، فقالت : ولكنك تغني وتدندني وحافظة وصوتك حلو ، فقلت لها : إنه ذنب  الله سيغفره لي ، وأنا هنا أكرر أن هناك خلفاء في الدولة الإسلامية شربوا الخمر ولكنه يعرف أنه إثم ويعتبرها ذنوب ويحاول ألا يفعلها ..أما دولة الكفر فهي تغفل الموبقات باعتبارها مأثر قيم. حضارة تمجدها وتعتبرها وتفخر وتفجر بها . هناك فرق بين شعر في الخمر لعمر الخيام وشوقي وشعر في الخمر لأبو النواس .. الاولى برؤية مسلم مذنب ولذا عدل في نهاية أيامه ، والثانية برؤية مسلم عاص تمسك بها وكابر وأمره عند الله .

صافي ناز وناصر والناصرية 

قلت لها : إذن لم يكن هناك انقلاب أو تحول ولم يحدث أن ارتديت الحجاب على الجينز ( كما سمعت من البعض ) الآن أفهم ذلك .. ولكنك انقلبتي وتحولتي مع الثورة وجعلتي الغضب لا يصيب إلا عبد الناصر ؟!
قبل أن تجيب سألتني هل أنت ناصري.أنا قلت كده من أول ماشفتك؟!
قالت: هذا الحب هو الحماس الشعبي الذي تبنى الثورة وعبد الناصر ولم يقف يوما ًليراقب بدقة موقف هذه الحركة الجديدة ولكني اعتدلت وأفقت وجلست بموضوعية لأناقش حبي..وأنا أجلس يوما ًلأناقش كل ما أحب بموضوعية ..كانت البداية حينما حولنا تأمين قناة السويس 1956 إلى نصر على طريقة كليوباترا في يوم اكتيومافقد عرفت من كندي (أن مضايق ثيران اخذتها إسرائيل وأصبحت تسير فيها سفنها منذ 56 )وتوالت الخديعة الناصرية وبدء من65بدأت كراهيتي له وانتهي أمره بعد إعدام ( سيد قطب ) .

قلت : هناك صور لك خرجتى تولولى يوم تنحى ناصربعد النكسة؟    
قالت: نعم خرجت يوم تنحيه ، هذا الخروج للشعب المصري " صرخة تشبه صرخة أسرة فقدت ابنها الذي علقت عليه كل آمالها اعطته الأرض وتركته يدير وابور الطحين وسلمته البهائم فإذا به يقول باي .. باي .فخرجت تقول له " فين الورق والحجج وعلى فين مش لما نتحاسب "ولكن السلطة حولت هذا الخروج في اليوم التالي بتوجيه وتأثير ..حفرت بشطارة مجرى لصالحها (نعم عيطت يوم  أن تنحى .. بكاء على مصر وليس بكاء على عبد الناصر ) فقيس مر علي ديار ليلى ولكن ما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار ، ليس جمال ولا الحكومة .. ولكنه الشعب وأنا وحي العباسية وتلك الهزيمة القاسية .فنحن قلنا له :" لا والنبي رايح فين " دي العقود باسمك والحاجات في ايدك ( فين مصر ) قبل ما تمشي ؟!

صافي ناز كاظم وسناء البيسي 

همست لست الكل صافى ناز كاظم "ست الهوانم" بما أشعر به عن سناء البيسي وقلت لها : أنت صديقة توئمه لها فما رأيك ؟!
سناء البيسي
قالت صافي ناز كاظم : نديها نميمة بس دى نميمة حلوة على ست حلوة 
بص ياسيدى أنا شفت في ( هو وهي ) حينما كتبتها سناء البيسي قصص قصيرة مبهرة وشاطرني في ذلك وقتها صلاح جاهين وتلفز ذلك لحلقات ( هو وهي ) وحقق كل من ظهر اسمه عاى التتر في المسلسل شهرة، وتوجه إعلامي، إلا سناء البيسي شجرة الظل الرابضة في مكتبها، وأذكر في المجموعة قصة لواحدة برجل مشلولة من المنسحقين الهامشيين وبتحب شخص كشفت ببراعة كيف تعيش، وتشعر،وتحب،ولم يستطيع "صلاح جاهين" أن يتلفزها! النوعية التي تكتبها سناء البيسي أضعها في مستوي مع "يوسف إدريس" في القصة ولكنهما بالطبع ليسا متشابهين فسناء أكثر ثراء وتنوع وخفة ظل ولا يأتي قبلها أحد ولكن تأتي بعدها مباشرة فى النساء المصريات "سلوى بكر" ورغم أني مختلفة مع سلوى فهي ناصرية ولكن الشغل شغل وأنا أحب اقول للحلو ياحلو فى عيونه؟ شغلها ما حصلش 
وشجعني ذلك عن نوع من النميمة الجميلة أن يتحدث اثنان عن ثالثة غائبة هما في حالة حب وإعجاب لها.. أنا بأدبها وطلعتها وطريقة حوارها وصافي ناز كاظم بقصة سناء كاملة؟!

قلت لها : أنت وسناء البيسي ؟..

وقبل أن أكمل السؤال .. قالت: أنا معها من عام 1945 هي 3 أغسطس وأنا 17 أغسطس 1937 وإحنا الاثنين من برج الأسد فهي مولودة يوم الثلاثاء وأنا موجودة على الأرض برضو يوم ثلاثاء ومن حي واحد وهو العباسية .. وهي صديقة لي ولأختي ..ودخلنا العباسية الثانوية فصل واحد ممكن تجلس جنبي أو ورايا أو أمامي ولما دخلنا الجامعة كانت هتدخل كلية الحقوق فأبوها كان يريد أن ترث مكتبته القانونية قلت لها ( حقوق إيه ) تعالي معانا آداب قسم صحافة ..فسحبت ورقها ورايا .. وبقت معايا في شلة عباسية بنركب أوتوبيس واحد.. في الأول كان ترام .. ترام 3 .. ثم دخلنا معا ً "أخبار اليوم " وتدربنا سويا ًفي (مدرسة علي ومصطفى أمين ) كان معانا وقتها سناء فتح الله وسناء الغزالي وسميحة صبور..كنا امبراطورية ( س ) ولكن لا أعرف لماذا لم أسمع أي أخبار عنها حينما سافرت أمريكا ومكثت هناك 6سنوات يبدو أنها لم تكن تكتب..دى هى المدة الغامضة عندى بالنسبة لسناء..وجايز من غير ماأعرف قلدتها فسفرت لأمريكا لدراسة المسرح..
قلت لها: لا أصدق أن "سناء البيسي" من برج (الأسد) شخصيتها غير كده هل هناك داخليات لبرج آخر ففى ناس من برجين؟..                                                                                          
صافي ناز كاظم في حفلة تخرجها
قالت صافي ناز كاظم : على فكرة أنا أعرف كويس في البروج لكن من ناحية السمات والصفات الشخصية وفي برج الأسد أحيانا ًيكون العنف داخلي فهي ذي البرج تحب الذات وتحب الظهور لكن بشكل داخلي  فهي لا تحب أن تضع نفسها في موقف يترتب عليه انتقادها .. فهي لا تتعرض..عكسي أنا..فأنا أقول قصيدة شعر وأناقش..أنا وهي .. مختلفين ومنسجمين  أنا سمات البرد " خارجية " وهي سمات البرج " داخلية " ولذا فهي بنت نكتة .. هادئة وساكته لكن هي المحرك لكل المصائب في الفصل وأحنا أطفال ..كانت تعمل العملة التي تخلي الفصل كله هيصة وهي جالسة هادئة ..ولو عايز تعرف شخصيتها أنتقد أحد من العاملين معها في ( نصف الدنيا ) تلاقيها خلتكم وجها ًلوجه ، حتى ولو كانت تشاطرك الرجل في انتقادك،وتجعل لها حق تطيب خاطره فيما بعد وحدث ذلك معي انتقدت تصحيح موضوعات تنشر لي بمجلتها نص الدنيا فقالت لي : أنا حاجيبه لك أديله زي مانت عايزة .. قلت لها: لا أنا كلت من ده كتير بعد ما أمشي تقولي له : أنت نور عنيه

قلت لها : هل سناء البيسي تعرف قيمة نفسها على مستوى الأدب ؟ 
قالت : أنا قلت لها على كتابات ( هو وهي ) إنها قصص قصيرة لها Form غير موجود في العالم العربي، فهي تفرح بس تقول أسكتي يا صافي ناز .. هي لا تريد أن يقول أحد عليها شيىء أو أن يجرحها ناقد بكلمة..بس هي مقدرة نفسها أكثر من كده بكثير .. بينها وبين نفسها داخليا ً.. هي عارفة إنها لؤلؤة ،وأنا بأتحدى أن تكون هناك كاتبة تكتب بهذا التدفق والرتم والتراكمات التي لا يستطيع أحد معالجتها ..أتذكر أنه في مرة كتبت ( سناء ) موضوع اسمه (حالة ثانوية عامة ) أحمد بهاء  قاللي : صاحبتك دي بتجيب الكلام ده منين ؟! 
سألتها : وسناء كصحفية ؟                                                               
قالت : سناء البيسي من الكائنات المنقرضة في الصحافة .. عندها أرشيف خاص .. ورصيد غير طبيعي من الصور وبتفكر زي أساتذة زمان (الموضوع ده معاه أي صورة ويكتب ببنط كام وعشان هي فنانة ورسامة جيدة جدا ًبتوظيف الصورة زي الكلمة)  .. وبتحقق عندها في ( نصف الدنيا ) عبارة مصطفى أمين : (عاوز المقال يتفرجوا عليه، والصورة يقعدوا يقرئوها ) ..
---
أجرى الحوار الكاتب الكبير 
أشرف مصطفى توفيق 
أشرف مصطفى توفيق

أشرف مصطفى توفيق
صحفي وأديب روائي
ومستشار سابق 
لقراءة جميع مقالات الكاتب اضغط هنا

اضف تعليق

أحدث أقدم