كنت أغبط زميلاتي النحيفات وأتعجب كونهن لا يعانين أبدا مما أعاني منه، يأكلن كما يشتهين، يلعبن بحرية، يقدن الدراجات وينتقين ما شئن من الملابس، هن الأقرب لبعضهن دوما ما دمن نحيفات، غالبا ما كن قليلات الكلام ويخترن أحاديث منمقة كذوقهن في الملابس بسيط وأنيق..
للبدينات كل الحق ان يسأمن العالم وأن ينزوين بركن يناسب أوجاعهن المزمنة، فشركات الملابس لم تبتكر ما يناسب احلامهن بثياب رائعة بذوق فارق، والمطاعم على اختلافها تزخر بصنوف لا يمكن تناولها الا بقدر ضئيل جدا، وان فعلن فعذاب الضمير لن يفارق.
عليها ان تحسب الميزة التي ستجنيها من تناول ساندوتش برجر وكان من الكولا مقابل نظرات الناس التي غالبا ستنهشها وان كانوا تحت سحر الوجبة ذاتها، عليها أن تخاف الغد الذي غالبا ما يكون مجهولا.
فعريس الغفلة دوما ما يبحث عن نحيفة يحملها بين ذراعيه بليلة الزفاف، وعليها في حال جاءها الوسيم جميل التقاطيع ساحر الهيئة أن تستقبل تعليقات على شاكلة :
" على ايه يعني، خسارة فيها، كان اتعمى ف نظره"
وفي أفضل الظروف سيأتي رد مخالف لتوقعاتها قائلا :
" تختوخة بس طيبة، سيبوا الملك للمالك" .
عليها أن تتخيل بناتها المهووسات بالرشاقة فلا يصيبهن ما أصاب أمهن البدينة من عقد، عليها أن تكره نفسها لأنها أضاعت حلم أبيها بطفلة نحيفة تتحرك " كباليرينا " في كل الجهات، عليها أن تتعلم حيل الدفاع المعروفة فتسخر من نفسها قبل ان تصلها سخرية الآخرين، وعليها حين تنام أن تحلم بامرأة أخرى تسكن جسدها بقوام فارع وقد مشدود ومعدة مسطحة..
عليها ان تصبح متقلبة المزاج فهي إما ضاحكة جدا, أو مكتئبة حد الجنون، عليها ان تتساءل : لماذا يا رب لم تخلقني أقل قياسين أو ثلاثة؟ ولماذا لم تخلق للنحيفات مشاعر ليدركن طبيعة معاناة شخص بدين لسبب وراثي مثلا أو لعلاقة ما بالجينات؟
ولماذا على الرفيعين ان يذكروننا دوما بميزة الحصول على أجساد ممشوقة وبطون مستوية فقط لحيازة قطعتين من ملابس البحر بالوان جذابة؟!!
---
حرية سليمان
كاتبة وروائية مصرية
صدر لها رواية أسود دانتيل
بطعم التوت مجموعة قصصية
ربما يكون مغلقا , مجموعة قصصية
بطعم التوت مجموعة قصصية
ربما يكون مغلقا , مجموعة قصصية