أشرف توفيق :
ما كتبه أنور المعداوى، أشهر نقاد الأدب فى الأربعينيات والخمسينيات قبل ٦٥ عامًا، عن الآنسة مى زيادة أشهر أديبة عربية فى القرن العشرين كان صادما وقاسيا ومثيرا حقا للجدل، المعداوى وصف رسائل "ولى الدين يكن لها" بـ «المبتذلة»؟ ثم استنكر عدم ردها عليه!
ما كتبه أنور المعداوى، أشهر نقاد الأدب فى الأربعينيات والخمسينيات قبل ٦٥ عامًا، عن الآنسة مى زيادة أشهر أديبة عربية فى القرن العشرين كان صادما وقاسيا ومثيرا حقا للجدل، المعداوى وصف رسائل "ولى الدين يكن لها" بـ «المبتذلة»؟ ثم استنكر عدم ردها عليه!
وقال الرافعى كان يعانى من «الوساوس القهرية» وكان
يستغلها ليغذى موهبة الإبداع لديه؟!
وادعى أنها, اتصلت
بـ«العقاد» فردت عليها غريمتها سارة فأنهت علاقتها بالعقاد.
وكان
الوحيد الذى طعنها فى أنوثتها، متهما إياها بتهمة لم يسبقه إليها أحد" الشذوذ
الجنسى".!!
ولكن
الناقد الراحل الدكتور على شلش فى تحليله لخطابات «المعداوى» العاطفية للشاعرة
الفلسطينية فدوى طوقان خرج منها بنتيجة تدين «المعداوى» وتفضحه وتتهمه بالاضطراب
النفسى.
وثيقة مكتشفة تثبت ان المعداوي ترك الأدب وعمل حكيم روحاني مع مي
وذلك المعنى كان قريبًا مما قاله الناقد وأستاذ الأدب العربى الدكتور محمد
سيد عبد التواب فى تعليقه على وثيقة «المعداوى»:
" بدا لى أنور المعداوى بعد
قراءة المقال أنه غير متزن فى عرض أفكاره عن مى، واتسمت كل تحليلاته بالشذوذ.والحقيقة
أن مى اتخذت من ولى الدين يكن صديقًا تأنس إلى محادثته..ولم تشعر بحب الرافعى"
فقد اكتشف للناقد أنور المعداوى مقالة صادمة
لم تنشر من قبل سماها:«مشكلة العلاقة بين مى وجبران» نشرته منذ شهور من الأكتشاف
جريدة «الدستور»، حكم فيها حكمًا باترًا قاطعًا باتًا حاسمًا جارحًا فظًا عليها بأنها
امرأة ذات طبيعة مغلفة بالانحراف،ملفعة بالشذوذ
ودلل على ذلك أن ( المرأة الطبيعية
هى التى يستيقظ فى أعماقها الشعور بالرجل،سواء أكانت هذه اليقظة فى صورة حب مضطرم
أم كانت فى صورة عاطفة جياشة أو حس مشبوب،أما المرأة الشاذة فهى تلك التى تنام فى
أعماقها مثل هذه اليقظة التى تلهب دون أن تحس بين جنبيها النار.والتى تثير ولا
تثار..هى " مى" فى حقيقتها التى لا تتذوق طعم الحب، لأنها فقدت شهية
الأنوثة )
ويدعى أنه توصل إلى هذه الحقيقة الباترة وذلك
اليقين الساطع من تتبع حياتها النفسية وهى بين الرجال فى صالونها الأدبى " أيام
الثلاثاء" وذكر بعضهم مثل ولى الدين يكن ومصطفى صادق الرافعى وجبران خليل
جبران الذى لم تره ولم يرها إطلاقًا، وأغفل تمامًا علاقتها بـعباس محمود العقاد!
وفى
اختيارات «المعداوى» يلجأ إلى ضرب الأمثلة بنماذج يتصور أنه يتمكن من خلالها لى
عنق الحقيقة،لإثبات وجهة نظره، لكنه للأسف يفشل فى ذلك فشلًا ذريعًا على جميع
المستويات،فلا يبقى من مقاله الطويل إلا أضغاث أوهام وتصورات تفتعل الفهم العميق
لأغوار النفس البشرية، لكنها تأتى مسطحة تسطيحًا مخلًا ومعيبًا
فمن خلال
أسلوب متعسف فى الاستقراء يقول «المعداوى»: «لقد شغف بها بعضهم ذلك الشغف الذى
يذهب بالكرامة ويعصف بالوقار»،
مستشهدًا برسالة الشاعر «ولى الدين يكن» الذى يكتب
إليها: «عندى قبلة هى أجمل زهرة فى ربيع الأمل أضعها تحت قدميك.. إن تقبليها تزيدى
كرمًا وإن ترديها فقصارى ما أفعله هو الامتثال.إنى فى انتظار بشائر رضاك وطاعة لك
وإخلاص»
ورغم هذا التدله الممجوج والانسحاق المبتذل،ورغم اعتراف «المعداوى» بذلك،
فإنه يستنكر على «مىّ» جمودها وترفعها عن قبول قلبها لتلك المراهقة العاطفية
فيتهمها بهمود وخمود وموت عواطفها، وبأن قلبها لا يعرف النبض وكأنه يريد أن يفرض
عليها واجبًا صارمًا أن تبادل «يكن» تزلفًا بتزلف، ونزقًا بنزق وإلا وصمها بجمود
المشاعر ونضوب العواطف،وافتقار الأنوثة والانحراف إلى الشذوذ.
ثم يستطرد «المعداوى» مؤكدًا أن «أسلوب يكن فى الأدب والحب يلتقى مع أسلوب مماثل عند الرافعى، كلاهما فى الحب ذليل وفى الأدب مصنوع»؟! ويتساءل: «أتكون مى نظرت إلى الرجلين نظرة المرأة المدلهة بكبرياء الأنوثة إلى كل حب ذليل؟»
ثم يستطرد «المعداوى» مؤكدًا أن «أسلوب يكن فى الأدب والحب يلتقى مع أسلوب مماثل عند الرافعى، كلاهما فى الحب ذليل وفى الأدب مصنوع»؟! ويتساءل: «أتكون مى نظرت إلى الرجلين نظرة المرأة المدلهة بكبرياء الأنوثة إلى كل حب ذليل؟»
والحقيقة
أنها نظرت إلى «يكن» نظرة أدبية، فلم تر فيه إبداعًا خلاقًا لكنها اتخذت منه صديقًا
يكبرها عمرًا تأنس إلى محادثته ومجاملته.
أما «الرافعى» فلم تكن تشعر بهذا الحب على الإطلاق وكانت خالية الذهن تمامًا عما يعتمل فى صدره ويجيش فى وجدانه ويعربد فى روحه الوثابة إلى عشق أفلاطونى.. هو بطله الوحيد وطرفه الأوحد.كان تلميذًا فى المدرسة الرومانسية التى ترى أن تسعة أعشار الحب رابض فى قلب المحب لا المحبوب، يحب الحب ذاته، وغاية أمله أن تتركه المحبوبة يحبها بجميع مشاعره وعمق خياله
(كان يتصور أنها وهى تسوى شعرها فى المرآة إنما تتعمد ذلك حتى ترهقه بنظراتها الولهة فيغادر الصالون ويعود إلى بلدته «طنطا» ليسهر الليل بطوله يكتب القصائد والانطباعات الملتهبة المتأججة فى قصة الحب التى تربطها به) وهو يتعذب بهذا الحب عذابًا كبيرًا فيستمد منه الإلهام، بل إنه يصارح زوجته التى أنجب منها ١١ ابنًا بقصة حبه الوهمية تلك ويستأذنها فى مواصلة الوصال لكى يغذى موهبة الإبداع لديه فيستمد منها الإلهام.. فلا تمانع بسماحة غريبة.?!
أما «الرافعى» فلم تكن تشعر بهذا الحب على الإطلاق وكانت خالية الذهن تمامًا عما يعتمل فى صدره ويجيش فى وجدانه ويعربد فى روحه الوثابة إلى عشق أفلاطونى.. هو بطله الوحيد وطرفه الأوحد.كان تلميذًا فى المدرسة الرومانسية التى ترى أن تسعة أعشار الحب رابض فى قلب المحب لا المحبوب، يحب الحب ذاته، وغاية أمله أن تتركه المحبوبة يحبها بجميع مشاعره وعمق خياله
(كان يتصور أنها وهى تسوى شعرها فى المرآة إنما تتعمد ذلك حتى ترهقه بنظراتها الولهة فيغادر الصالون ويعود إلى بلدته «طنطا» ليسهر الليل بطوله يكتب القصائد والانطباعات الملتهبة المتأججة فى قصة الحب التى تربطها به) وهو يتعذب بهذا الحب عذابًا كبيرًا فيستمد منه الإلهام، بل إنه يصارح زوجته التى أنجب منها ١١ ابنًا بقصة حبه الوهمية تلك ويستأذنها فى مواصلة الوصال لكى يغذى موهبة الإبداع لديه فيستمد منها الإلهام.. فلا تمانع بسماحة غريبة.?!
كان
يتكبد عناء السفر من طنطا، حيث يقيم ويعمل كاتبًا بمحكمتها إلى القاهرة كل ثلاثاء
ليحضر ندوتها ويستمد من عذوبة حديثها الحلو الشجى وعينيها النجلاوتين الملهمة
ووجهها السنى الوضاء أحرف كلماته وأبيات أشعاره، ويستلهم معنى وجوده وسر معاناته
وأسباب عذابه،ويتعذب هذا العذاب بجلد الذات فيكتب أسطر كتبه: «رسائل الأحزان»
و«أوراق الورد».وكان رواد «الصالون» يسخرون منه ويعلقون على حركاته بصوت خافت،
وكان لا يسمعهم لأنه أصيب بالصمم من جراء حمى شوكية ألمت به فى صباه، ولم يكمل
تعليمه، هذا بالإضافة إلى تأثر حنجرته، فصوته كان يخرج أشبه بالفحيح.هذا وقد انتهت علاقة «الرافعى» بـ«مى» نهاية
ميلودرامية غريبة وإن كانت تتسق مع طبيعة شخصيته التى تتصف بسيطرة الوساوس القهرية
عليه وبارانويا العظمة التى تتمثل فى الاعتداد الشديد بذاته وملكاته وقدراته
الأدبية وتفرده الفنى، وبارانويا الاضطهاد التى تتحرك فى الاتجاه المضاد وتعنى بها
تصوره عن معاداة الآخرين وكراهيتهم له وتآمرهم عليه.وتجلى ذلك واضحًا حينما رأى ذات مرة فى جلسته فى
الصالون «مى» [«العقاد» و«حافظ» وهم يتهامسون فيما بينهم ويغمزون ويلمزون وهم
يرمقونه فتصور أنهم يخصونه بالسخرية فغضب غضبًا شديدًا وانتفض مندفعًا إلى الخارج،
وجلس بمقهى قريب من منزلها وكتب رسالة هجاء لها وانقطع بعدها عن الذهاب إلى
الصالون] وعن رؤيتها حتى ماتت ؟!فمن
أين أتى «المعداوى» بذلك اليقين والحكم القاطع أن «مى كان يسيطر عليها فتور غريب
أو برود مقيم أو شذوذ متأصل يزلزل فى نفسها المريضة ( الخيانة
سبب رفضها الزواج من العقاد( ؟
أمى فى التراب
آه منك أيها التراب
أين فى المحفل
مى يا صحاب؟
واحدة
من أجمل قصائد «العقاد» وأصدقها وأكثرها بلاغة وأنبلها شعورًا..خاطب فيها «مى»
والحزن يعتصره على رحيلها، والدموع تنهمر من عينيه أمام قبرها، وقد واراها التراب
وإلى جواره عدد من أدباء هذا العصر الجميل ورموزه الكبار - العقاد - أحب «مى» كما أحبته حبًا حقيقيًا لم يخلقه
وهم أديب اصطنع العذاب واللوعة غذاء لإلهام، ولم تستجب هى له كفتاة حالمة تثيرها
عواطفها تجاهه وتشغلها غريزة هوجاء تعصف بها. إنه حب ناضج نما وتأجج بالكثير من
العقل والفكر وتمازج العاطفة والوجدان بمنطق الواقع وشروطه وحواجزه ومعطياته، لكنه
حب كان يمكن أن يتوج إلى زواج أكدته رغبة «العقاد» فى ذلك بعد أن أعيته الحيل فى
أن يتخذ منها «عشيقة» -كما هو الحال مع «سارة»- لكنها رفضت الحالتين «الزوجة
والخليلة» فكيف كان ذلك؟ الرسائل المتبادلة بينهما تؤكد انسجامهما الفكرى
والعاطفى، وتمثل مواظبته على حضور صالونها تطور العلاقة، وقد طلب منها أن يأتيها
بمفرده فى يوم آخر من أيام الأسبوع هربًا من ملاحقة «مصطفى صادق الرافعى» وحصاره
لها مما يحرمه من قربها
الحميم
وحينما
طلب منها الزواج رفضت مذكرة إياه أنها مسيحية وهو مسلم، لكنه أخبرها بأن ذلك
الحاجز لا يمثل عقبة بالنسبة له فدينه يسمح له بالزواج من مسيحية، فقالت له إن
دينها لا يسمح لها فطلب منها أن يستشيرا قسًا فوافقت مناورة ومداعبة اصطحبته إلى
الكنيسة المجاورة وإذا بها تدخله إلى قاعة سينما ملحقة بالكنيسة«أغلب الظن أنه
المركز الكاثوليكى الآن».يبدى دهشته فتخبره أن القاعة تعرض أفلامًا سينمائية
مختارة بعناية من قبل لجنة من الكهنة ليراها الشباب من الجنسين، بحيث تكون خالية
من مشاهد الجنس والعرى وتدعو إلى الفضيلة والأخلاق الحميدة، فتدعم رسالة الكنيسة
الأخلاقية والدينية. واعترف «العقاد» فى حديث صحفى مع كامل الشناوى بأنه و«مى»
تربطهما علاقة عاطفية وطيدة، وأن عنده من رسائلها وعندها من رسائله ما يصلح كتابًا
يصور تلك العلاقة القائمة على الحب المتبادل وقد بهرها «العقاد» الشاعر والأديب
لكنها كانت تخشى عليه من «العقاد» السياسى، وحاولت أن تثنيه عن الكتابة فى السياسة
(كان العقاد فى ذلك الوقت كاتب الوفد والمحرر الأول لجريدة البلاغ) وكانت مى تشفق عليه
من عنف حملاته على الحكومة،وتخاف أن تجره تلك الحملات إلى السجن
أما
نهاية قصة الحب بينهما فقد كانت عاصفة وتمثل صدمة عنيفة لـ«مى» فقد اتصلت به ذات
يوم فى منزله، فردت عليها «سارة» غريمتها الساخطة على علاقة «العقاد» بـ«مى»،
والتى اعترف فى رواية سارة عنها بأنها كانت تتبرم كثيرًا من ذهابه إلى صالونها.ويبدو أن طريقة «سارة» فى الرد على المكالمة أكدت
شكوك «مى» بخيانته لها، فذهبت إليه فى مكتبه بجريدة «البلاغ» وردت له خطاباته العاطفية
إليها، منهية علاقتهما،فبكى وهم أن يقبل يديها طالبًا المغفرة،لكنها أبت ذلك،وانسحبت
من حياته
هذا يعنى ببساطة أنه لولا الخيانة لاستمرت العلاقة، ولربما استجابت «مى» لـ«العقاد» فى يوم ما وتزوجته، لذلك فإن مزاعم «المعداوى» حول «شذوذها الذى وقف حائلًا بينها وبين الرجال وعجزها كأنثى عن التواصل معهم» هو محض استنتاج خاطئ، عجز عن التحليل الموضوعى لطبيعتها الحقيقية
هذا يعنى ببساطة أنه لولا الخيانة لاستمرت العلاقة، ولربما استجابت «مى» لـ«العقاد» فى يوم ما وتزوجته، لذلك فإن مزاعم «المعداوى» حول «شذوذها الذى وقف حائلًا بينها وبين الرجال وعجزها كأنثى عن التواصل معهم» هو محض استنتاج خاطئ، عجز عن التحليل الموضوعى لطبيعتها الحقيقية
التى عبر عنها «العقاد» نفسه بعمق وإخلاص حقيقى
فى البحث.. لأنه يكشف عن أغواره ولا يبحث عن فضيحة.يرى «العقاد» فى تحليله أن «مى» كان لديها شعور
أنها «أم البشرية» تقبل من الناس ما تقبله الأم من أبنائها، وثقافتها الواسعة
ومزاجها الحزين جعل لأسلوبها مذاقًا خاصًا، إلى جانب الحزن الرابض فى أعماقها،
وإحساسها الطاغى بالغربة، رغم التفاف الصفوة حولها، ونشأتها منذ الطفولة ابنة
وحيدة من أم فلسطينية أرثوذكسية وأب لبنانى مارونى ينتقلون من بلد إلى بلد مشكلين
أقلية فى كل بلد.ولتلك
العوامل،شبت حاسة ملتهبة المشاعر كأنها شمس تأكل نفسها وتحترق بنارها وتختنق
بدخانها..كتلة من التناقضات والحرمان الملتهب والدموع الساخنة والتكتم والوضوح
والعالمية والتقوقع تخاف من التجربة والفشل،تريد أن تشترى من أول نظرة وتكسب فى كل
صفقة..كانت متدينة ترى الجنس نوعًا من الدنس..النشأة الدينية المبكرة فى رحاب «مدارس
الراهبات» فى «عين طورة» بلبنان، والإقامة الكاملة فيها بالقسم الداخلى،تاركة
والدها ووالدتها فى فلسطين عمقت إحساسها بالوحدة والغربة،وزادتها عزلة وربما
اكتئابًا مبكرًا بقراءة أشعار الرومانسيين الفرنسيين الحزينة يُضاف إلى ذلك التحفظ والتشدد الدينى الذى يجنح إلى
ارتباط الجنس بالدنس أو الخطيئة، وأن السمو بالروح يقتضى «التبتل» وكبح جماح
الغريزة.وقد
أوضح العقاد أنها كانت متدينة تؤمن بالبعث وأنها ستقف بين يدى الله يومًا ويحاسبها
على آثامها، فكانت برغم شعورها بالحياة وإحساسها الصادق العميق وذكائها الوضاء
وروحها الشفافة ورقتها وأنوثتها تحرص على أن تمارس هذه الحياة بعفة واتزان
والناقد
أنور المعداوى تورط فى عنصرية ضد المرأة اصطاد فقرة من رسالة «مى» إلى «جبران» تقول فيها: )ما كنت أجلس للكتابة..كنت أنسى من وأين
أنت..وكثيرًا ما أنسى أن هناك شخصًا..أن هناك (رجلًا) أخاطبه..فأكلمك كما أكلم
نفسى..وأحيانًا كأنك رفيقة لى فى المدرسة (.اصطاد «المعداوى» تلك الفقرة،ليكيل لها من الأوصاف
المتعسفة نقائص وعبارات نارية مثل: «الأنوثة غير المكتملة، والأنوثة المقتولة،
والأنوثة الخامدة، والشذوذ الجنسى»، وتوصل إلى نتيجة لا تقبل جدلًا أو نقاشًا:
«إذا ما قتلت الأنوثة فى أعماق المرأة فقد قتل إحساسها بالرجل.. وانمحت الفروق
الجنسية فى عالم الشعور..يبدو الرجل فى منظارها وهو لا يختلف عنها فى شىء..لأنها
حرمت حاسة الجنس وسلبت توجيه الغريزة».
أما
القسوة البادية فى شهادة «المعداوى» المتصلة بــ«مى» فليست لها معنى عندى سوى
تورطه دون أن يدرى فى عنصرية من المؤسف أن تفصح عنها أحكامه، ويظهر ذلك جليًا فى
تعليقه على فقرة من رسالة لها لـ«جبران»، تصارحه فيها بأنها تلوم نفسها أحيانًا
فيما تكتبه لأنها حينما تكتب تصبح حرة كل الحرية لأنها تنتظر من الحب الكثير، وتقول
إن الجفاف والقحط واللاشىءفى الحب خير من النذر اليسير وهى تقصد بالحرية الكاملة التى تكسر كل الحواجز
وتقفز فوق التابوهات والمحرمات والمحظورات والتقاليد المرعية، لكن «المعداوى» لم
يصل به خياله إلا لأنها تقصد بالحرية الرغبة فى الزواج، فهو لا يتصور هدفًا للفتاة
الشرقية إلا أن تعيش زوجة فى كنف زوج، وأنه من غير اللائق اجتماعيًا أن تطلب هى
ذلك؟! ثم
يذهب أبعد من ذلك.. فيتصور أن هذا التمهيد غير المباشر بالرغبة فى زواج «مى» من
«جبران» إنما هو متعمد ومقصود أو أنه حركة بارعة من حركات التعمية والتغطية
والإيهام، أما «الحقيقة» فهى التى يصر عليها فى مقاله: إنها تخشى الحب. لقد أراد «المعداوى» أن يفجر قنبلة تتطاير شظاياها فى أرجاء «المجتمع
الأدبى» دون أن يدرك أن هذه الشظايا ستصيبه هو أول ما تصيب، وتدينه هو أول ما تدين
والغريب أنه لم ينشر المقال؟ ولذا ثبت صافى ناز كاظم من اكتشف المقال مرة ومن نشره
مرتين. قائلة: السهام المسمومة ترتد إلى صدور أصحابها، فهذه الفرية تليق بصحفى
صغير فى صحافة صفراء يسعى إلى فرقعة صحفية يدوس فيها فوق سمعة كاتبة شهيرة، ولا
تليق بناقد كبير فى حجم«المعداوى» ، وكان أولى به أن يتفرغ لدراسة أدبها وفكرها
وإنجازها الإبداعى الكبير.
اقرأ ايضا
اقرأ ايضا
إرسال تعليق