مرحبًا بالجنة.. بقلم إسلام الهلالي

"مرحبًا بالجنة"  قصة قصيرة من تأليف إسلام الهلالي
الكاتب إسلام الهلالي

 تقترب أصوات القصف معلنة قرب زوال ذلك المنزل, بل والحي بأكمله, بينما تقف الشابة التي لم تكمل الثلاثين أمام صورة زوجها الشهيد تكمل ارتداء عباءتها البيضاء الفضفاضة, وترتدي حجابها الأبيض وتتأنق به كأنها ذاهبة إلى عرس, بعد أن قامت بتجهيز ابنها وابنتها بملابس بيضاء أيضًا, ومن ثم تعطي سلاح زوجها الراحل إلى رجلها الصغير ليحمله بتمكن المحاربين, وتأخذ طفليها إلى الأريكة المواجهة لباب المنزل المفتوح, وتجلس هي وطفليها بينما يسألها ابنها وقد أتم عامه السادس 
:- هل سنغادر المنزل يا أمي؟!
بلى يا بني 
 لتهمس لها ابنتها التي لم تكمل ربيعها الخامس
-: فما الذي ننتظره يا أمي؟ وإلى أين سنذهب ؟
- سنذهب إلى الجنة يا بنيتي, ونحن ننتظر الملائكة حتى تأتي وتحملنا إلى الجنة .
-: حقا ؟ وهل سنرى أبي ؟
- نعم بالتأكيد،  وسنرى أيضًا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وسيستقبلنا السيد المسيح في السماء وأيضًا سيدنا موسى، وما علينا إلا أن ننتظر 
بينما يكمل الصبي:- وسنكون مع أبينا إبراهيم, أليس كذلك؟
- نعم، أحسنت يا بني 
 وإذ بالأم القوية ترى جيرانها وهم يرتحلون, ويتوقف جارها وزوجته لسؤالها:
 - ألن تاتي معنا يا صفية ؟
 -تنظر له وتجيبه بكل جد:
- إلى أين؟  ليس لدينا مكان نذهب إليه، إلا الجنة , فهى لا ترد أحدا يريد أن يرتقي إليها صابرا محتسبا , فهل أضيع فرصة مثل هذه ساقها الله لي لأنال المغفرة والشهادة وألحق بزوجي, هل أقبل بضيق الدنيا وأرفض سعة الآخرة, هذا بيتي , وهذه أرضي، ندفن فيها ونرتقي إلى جنة الخالق, فإن ما عند الله خير وأبقى.

ينظر إليها جارها بعد أن لامست كلماتها قلبه واكتمل إيمانه ومعه زوجته, لينظر إلى زوجته قائلًا:
- هيا بنا نعود إلى منزلنا، فإما أن نبقى فيه  وإما أن ندفن فيه ونلقى وجه الله, فهو خير من هذه الدنيا الزائلة .

تحتضن صفية طفليها في إيمان, بينما تبدأ علامات الخوف تظهر على ابنتها الصغيرة , قائلة :- أمى، أصوات القصف هذه مخيفة .
لا يا ابنتي, هذه أصوات الجنة، إنها تشبه أصوات القصف, ولكن ما إن تبدأ رحلتنا مع الملائكة حتى تختفي هذه الأصوات, وسنسمع أصواتًا عذبة لم نسمع مثلها من قبل , والآن دعونا نرتل ما كان أبوكم يرتله معنا دائما  "بسم الله الرحمن الرحيم"،" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ".
 -ينظر إليها ابنها وهو يحتضن شقيقته ويرتلون وراءها، لتقول لهم بعدها:-والآن هيا رددوا ورائي" نشهد ألا إله إلا الله"، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله.
-ويردد الطفلان خلفها، إلى أن تقول لهم:- لا يجب علينا أيضًا أن نرحب بالجنة ؟
 -يجيبها الإبن:- نعم يا أمي .
هيا , فلنردد جميعا، يا مرحبًا بالجنة.  يا مرحبًا بالجنة. يا مرحبًا بالجنة.
-ويردد ثلاثتهم ترحيبهم بالجنة، بينما تقترب أصواتها، حتى تنزل بردًا وسلامًا على المنزل, بل وعلى الحي بأكمله. ويجد الطفلين نفسيهما مع أمهما يرتقون إلى السماء بين أنوار لم يروا مثلها من قبل, بينما تبتسم الطفلة بفرحة قائلة:
 أمي. أمي. ماهذا النور المتوهج،  هل بدأت الرحلة؟
 -تجيبها الأم بابتسامة:- نعم يا بنيتي، بدأت الرحلة, وما هي إلا لحظات حتى نلتقي بوالدكما.
- بينما يقول لها الابن:
- انظري يا أمي إلى الأرض , كأنها حبة رمل لا قيمة لها , الحمدلله الذي أنجانا منها . قد نجونا يا أمي، قد نجونا.

تمت
" هذه قصة حقيقية, وليست من وحي الخيال , هؤلاء هم نحن , ما نصدقه , ما نعتقده , وما نؤمن به , هذه القصة حدثت, وتحدث , وستحدث "
إسلام الهلالي
** كاتب عربي مغمور **

اضف تعليق

أحدث أقدم