ياسمينا عفيفي تكتب:- الجمهور أم دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف من الذي عزف عن الأخر؟

الجمهور أم الإفتاء والأزهر الشريف، من الذي عزف عن الأخر؟

في يوم المرأة العالمي الذي كان يوافق الثامن من شهر مارس الماضي، أدلى شيخ الأزهر - العالم الجليل- أحمد الطيب بتصريح حول معاناة المرأة في كل من الدول الآتية "فلسطين- السودان- بورما- أوكرانيا". غضبني بعض الشيء أن تتساوى مُعاناة حرائر فلسطين والسودان وبورما بنساء أوكرانيا تلك الدولة التي تساند وتدعم الكيان المحتل وبالتالي يمكن القول بأنه من تلك الدولة يخرج التطرف والعنف ضد النساء، فكيف نساوي بين نسائهم وهم الجناة ونساء فلسطين وبورما والسودان!، ولكن على الرغم من رؤيتي تلك لكنني أثرت الصمت احترامًا وإجلالًا لشخص الرجل فأنا أحرص دائمًا على وضع قيود حول انتقادي لأهل العلم ولا أدع لذاتي المساحة الكبيرة للتعليق على كل ما يقال منهم أو يصرحون به. 

ومن هذا المنطلق يسعني أن أعرب عن دهشتي إيذاء التعليقات والتفاعلات الساخرة من رواد الفيس بوك على كل فتاوى وتصريحات ومنشورات دار الإفتاء المصرية! 

أجد بداخلي بعض التساؤلات التي تدور حول ما يملكه هؤلاء من علم شرعي حقيقي يجعلهم يسخرون هكذا دون إبداء رأي شرعي صحيح يصحح ما يرونه خاطئًا جديرًا بالسخرية!. 

في الحقيقة أنا لا أشعر بالدهشة فقط لكنني إلى جانب ذلك أحاول أن أقف على أسباب عزوف الشباب عن الاستماع لعلماء الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية

وما جعلني أكثر إصرارًا على هذا الأمر هو الهجوم الأخير على فضيلة مفتي الديار السابق "علي جمعة" وما طرحه من موضوعات خلال عرض برنامجه الرمضاني "نور الدين"..

ولقد أهداني هذا الهجوم لكثير من أسبابه التي بحثت عنها كثيرًا، بعض الأسباب تتعلق بنمط الدعوة وطرق مخاطبة الشباب التي تتبعها أو كانت تتبعها الجهات الشرعية والرسمية لدى الدولة "الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية"، والبعض الآخر يتعلق بالجمهور وخاصة الشباب وأيدولوجيا تفكيرهم، وفي السطور القادمة سأحاول رصد "بعض" تلك الأسباب من كلا الطرفين، في نقاط محددة. 

أولًا الأسباب المتعلقة بالمؤسسات الدينية الرسمية للدولة فأهمها هو التعالي على مخاطبة الشباب والنزول إليهم بعض الشيء ومخالطتهم ومخاطبتهم بالوسائل والطرق التي من المفترض أن يستجيبوا من خلالها.

في الماضي كان علماء الأزهر والإفتاء، الأجلاء يخاطبون الجمهور من خلال البرامج التلفزيونية فقط، وهي الوسيلة التي لا تخاطب في حقيقة الأمر سوى ربات المنزل لأنهن من يجلسن ويتفرغن للمشاهدة أما الشباب والفتيات كانوا هناك في المواصلات العامة والجامعات والأندية تلاحقهم شرائط الكاسيت ما بين الدعاة الشباب الذين جددوا في الدعوة للدين وجذبوا كمًا هائلًا من خلالها، ومابين رجال الدين المتشددين "لن أذكر أسماء أو تصنيفات لأنني لا أؤمن بالتصنيفات" الذين أشبعوا الشباب فتاوى فقهية تختلف كثيرًا عن فتاوى المؤسسات الرسمية للدولة، كل ذلك تم في غياب تام لوجود علماء الأزهر الشريف ودار الإفتاء وهو ما ساهم في خلق فجوة كبيرة بين الجمهور وهاتين المؤسستين الكبيرتين. 

أيضًا أرى أن شكلًا من أشكال التعالي على مخاطبة الشباب هو تجنب مناقشة الموضوعات أو القضايا التي يؤمنون بها أو يتحمسون لها وتجاهل اهتماماتهم الدينية في بعض الموضوعات والقضايا والتطرق لجوانب فرعية أو غير جوهرية من وجهة نظر غالبيتهم وخاصة الشائك منها وتعمد إبراز فتاوى تنسف معتقداتهم في بعض الأمور نسفًا كالاختلاط بين الرجال والنساء أو العلاقات العاطفية، مثل هذه المعتقدات الراسخة في أذهان المجتمع أرى أن مخالفتها يحتاج لتمهيد ثم شروح مفصلة حتى من باب احترام من يريد أن يتعلم ويستمع ويتبع، لا أعلم لماذا يتم تجاهل شرح وتفصيل الفتاوى الشائكة وتعمد إلقائها بصورة واحدة لا قبلها ولا بعدها ودون شرح وتوضيح يغلق أبواب الجدل بين الجمهور!. وآخر هذه الأسباب التي تتعلق بمؤسسات الدولة الرسمية هو عدم إيجاد أساليب دعوية مبتكرة للوصول إلى الشباب وهو ما حدث فيما بعد من جانب دار الإفتاء المصرية التي لم تترك مجالًا إلا واقتحمته ولا منصة إلا وأنشأت حسابًا خاصًا لها لتثبت حضورها بين الشباب وتخترق مجتماعاتهم المختلفة،  حتى وسائل تسهيل طلب الفتاوى من العامة والرد عليهم  وأيضًا إطلاق منصة علمية خاصة وهي منصة "هداية"  تقدم الدورات المجانية المختلفة للشباب في العلوم الشرعية واللغوية مع منحهم شهادات معتمدة من دار الإفتاء بعد إنهاء الدورة، وإن كانت هذه الخطوات قد تأخرت بعض الشيء ولكن هذا المجهود يستحق كل احترام وإشادة ويمكننا القول بأن دار الإفتاء المصرية أصبحت تزاحم يوم الشباب وأماكن وجوده وتحلق حوله في كل مكان. 

أما عن الأسباب المتعلقة بالجمهور نفسه فهي الظاهرة العامة التي يلاحظها ويتأثر بها القاصي والداني، وهي ادعاء العلم بكل شيء وبكل العلوم والإفتاء في كل شيء وكلًا يرى نفسه عالم جامع للعلوم الدنيوية والدينية ويستطيع أن يُعدل وينقد المختصين في كل مجال، وما ساعد على هذا الاعتقاد هو محرك البحث جوجل الذي أصبح لعنة تلاحقنا يُجهلنا أكثر مما يُعلمنا ويضرنا أكثر مما ينفعنا. 

وآخر ما يمكنني أن أختم به مقالي هو- أولًا-  تسجيل احترامي بالطبع للدعاة الجدد الذين تم ذكرهم أعلى المقال فأنا لا أعتبرهم ظاهرة سلبية فالبعض منهم ساهم بشكل كبير في تكوين فكر مستنير "دنيويًا" لدى الشباب. ثانيًا استيائي الشديد من كمية السخرية التي تطال وتلاحق منشورات دار الإفتاء المصرية والتي يطرحها علماء أجلاء يقتطفون من أوقاتهم للتواصل مع الجمهور واستيائي ليس للحكر على الجمهور أو مصادرة إبداء اختلافهم ولكن لماذا لا تتم المناقشة أو الرفض أو الإضافة في إطار جاد ومهذب وهادىء على الأقل لنصدر صورة أرقى من تلك التي تصدرها موجات السخرية والاستهزاء. 

والآن أطرح لقارئي العزيز سؤال هام دار الإفتاء- والأزهر الشريف- والجمهور- من الذي عزف عن الآخرون؟.

اضف تعليق

أحدث أقدم