فارس بلا سيف قصة قصيرة بقلم الكاتبة تهجد شرف الدين

ابداعات - قصة قصيرة - بقلم تهجد شرف الدين :
اقترب مالك من غرفة المكتب عندما سمع صغيريه يتشاجران على أمر ما! وما إن دخل حتى وجدهما يحملان قرص تسجيل فيديو بينما تتناثرت على الأرض المزيد منها
صاح في وجهيهما :
-ماذا تفعلان ؟ .. توقفا ستكسرانه !
ركض مسرعاً ليأخذه منهما بعد أن تعرف على لونه المميز ، سحبه بخفة وحذر ثم بدأ يلملم باقي أشياءه بصندوقها وهو ينذر صغيراه بالابتعاد عن هذه الغرفة ، أخذ يجهز الصندوق للإغلاق إلى أن لمح علبة صغيرة مكتوب عليها "ديسمبر /2018 كشف الحقيقة وإبادة الظلم/ (ر. و.ع)" إبتسم بنصر وافتخار ثم أرجعها أدراجها وأغلق الصندوق ..
خرج من الغرفة بصحبة طفليه ثم نظر إليهما نظرة لوم تبعتها هزة رأس وسرعان ما بدأ يعتذران على ما بدر منهما ..
-حسناً حسناً ، لا مشكلة ولكن لا تكرران فعلتكما هذه!
اقترب منه طفله الأصغر "بدر" خافضاً بصره :
-صدقني يا والدي"لين" من أقتلعته مني..
-والدي لا تصدقه غير صحيح هو من بدأ
-لا غير صحيح
-بلى
وضع يديه على رأسه :
- حسناً حسناً ، ارجوكما توقفا لا داعي لهذا فأنا سامتحكما
"طق طق طق طق" صوت قرعالباب يصاحب رن للجرس بطريقة مزعجة, إبتلع ريقه بصعوبة وتزاحمت أفكاره , يبدو أن هذا الطارق أتى قبل هذه المرة :
-هيا يا لين خذي أخاك وأدخلا غرفتكما ولا تخرجا مالم أتي إليكم بنفسي ولا تفتحا الباب لأحد مفهوم؟
أمسكت لين يد بدر أخيها بقوة وهي تقول :
-والدي أنا خائفة! ما الأمر ومن خلف الباب
-لا تخافي يا لين لن ابتعد عنكم
أخفض صوته عندما بدأت أصوات القرع تزداد
-هيا غادرا!
تأكد تماماً أن طفلاه قد أغلقا الغرفة جيداً ثم ركض مسرعاً نحو الباب، تأهب لإخفاء التوتر الذي كان يغطي وجهي، ثم فتح الباب بقوة وهو يصبح :
- ألن تتعلموا الاحترام مطلقاً!
كان رجلان أخذا ينظران إلى بعضهما،ولم يجيباه، ثم جذبه أحدهما من قميصه بينما كبل الآخر يديه من خلفه ثم سارا به بين أشجار حديقة المنزل كمن يجر كبشاً للذبح، واصلا طريقهما حتى وصلا إلى سيارة فخمة سوداء أشبه بسيارات المافيا، دفاعاه إلى داخلها بقوة حتى ثار ذلك الضخم بداخلها :
-توقفا يا حثالة ! فلديه لقاء مع السيدة رئيس الوزراء في الغد، أليس كذلك؟
نظر مالك لمصدر الصوت كما توقع ! نفس التعجرف ، الغطرسة ، الظلم، الاستبداد والفساد الذي يخرج مع أنفاسه العفنة ....
بادله نظرات متحدية، ولم يجبه مطلقاً.. أشار الرجل للكارت الذي رفعه بيده.. احتقن الدم بوجه مالك عندما رأى صورة بدر بيده .. إبتسم الرجل بمكر :
-لا تقلق لن أوذيه مالم تنفذ المطلوب!
-ما المطلوب؟
-أريد أن تفعل بها ما فعلته بي !
-لكنها ليست من امثالك ..
-أقسم لك يا هذا لن ارحم طفلك، وسأفعل ما كنت أنوي مسبقاً عندما بسبب أسئلتك عندما أثارت الرأي العام ضدي وتسببت في إزاحتي من منصبي ، وعندها لا دولة ولا أمن يستطيع أن يمنعني منك..
إبتلع مالك قصته بصعوبة فهو يدري جيداً ما يستطيع فعله هذا المختل
 -كيف لي يا سيد "عرفان" أن أدير حواراً متقد من الفراغ فهي لم نر منها شئ حتى الآن!
-قصر الحديث يا هذا ،أدي مهمتك بنجاح تنال الخير والشهرة وما يناسبك من النقود ثم أمسك بالصورة وقطعها حيث رأس الصغير عرضاً وواصل حديثه :
- أو لا تفعل وهذا ما ستتلقاه! لديك الليل كله أشغل مخك اللعين هذا ! بالمناسبة عليك أن تتذكر ستكون هناك عيون لمراقبتك...

دفعه الرجال خارج السيارة ، تأوه كثيراً ثم نهض وذهب لتفحص الحراس ووجدهما يصرخان أيضاً كل على حدة ثم إتجه مسرعاً إلى داخل المنزل ليطمئن على طفليه ، إغرورقت عيناه عندما قرأ الخوف بعينيهما
-أسف يا اولاد!
أخذ يربت عليهما حتي ناما، كان يفتقد والدتهما بشدة فها هو دورها ولكن ما باليد حيلة.. مضى النهار ودخل الليل ولم يجد مالك مفراً من هذه الورطة ، استسلم لأمر عرفان ثم أخذ حاسوبه المحمول وبدأ يرتب أفكاره ليجمع المعلومات الكافية عن ذاك المسؤول واستمر في ذلك ساعة تلو ساعة  ...  
- أبي أبي هيا إستيقظ سيفوتُنا باص المدرسة..
نهض مسرعاً ثم ضغط بسبابتيه على عمود أنفه محاولاً التركيز فهو لم ينم ثلاث ساعات على بعضها!
جهز طفليه وودعهما ثم ذهب لإكمال ما بدأ إلى أن رتب حديثه جيداً وجهز نفسه هو الآخر.. ثم اتجه نحو سيارته وصولاً إلى القاعة المعهودة، القاعة التي أجرى بها آخر لقاء صحفي له؛ جعله يكسب ما به من شهرة الان! لدرجة أنه الصحفي الوحيد المدعو إلى هذا المؤتمر من قبل رئيسة الوزراء بنفسها ! تيمناً بخبرته و يقيناً بأفعاله ..
جلس وسط المدعوين ثم حدث نفسه عندما رأى تلك السيدة في منتصف عقدها الثالث تدخل إلى القاعة تتابعها تماماً نظرات الجميع المصوبة نحوها كانت ترتبك كثيراً ف باديء الأمر لكن الآن وبعد أن مضى عام أصبحت أكثر تماسكاً , تعودت على جميع أنواع النظرات التي بعضها يكون انبهاراً بسنها، و بعضهم استكثاراً لمنصب رئيس الوزراء على امرأة كما يقولون ، كانت نبيهة لدرجة أنها تفهم جميع النظرات ولكن ! أي نوع من النظرات هذه التي على هذا الرجل؟ أو من هذا بالأحرى ؟
أخذت تبحث ورائها حتى أخبروها أن عليها بدء المؤتمر .. ألقت التحية ثم بدأت خطابها بعناية فائقة وأخيراً هنأت شعبها بمرور أول عام .. استمع مالك لكل كلمة قالتها بحرص شديد عله يجد ثغرة حتى يمسك شيئاً عليها ولكن للأسف لم يجد !
إهتز قلبه عندما سمع فريق الاعداد يطلب منه أن يتقدم ليبدأ اللقاء معها .. وبالفعل تقدم حتى صارا وجهاً لوجه ثم باغتها بادئاً حديثه بطريقة تحمل شيئاً من الاستهتار متجهاً إلى أحد كاميرات النقل المباشر :
- رئيس الوزراء الدكتورة ريم عرابي ! ...
تصنعت الإبتسامة ، ثم أومأت رأسها إيجاباً لحديثه ، فهي لم تتفهم تلك الابتسامه الماكرة! بينما تضاعفت ثقة مالك عندما قرأ التساؤلات بوجهها فها هي من البداية بدأت بالضياع :
- لقد مر عام على توليك هذا المنصب ! أخبرينا عن ما تفردتي بفعله كما وعدتِنا منذ استلامك اياه؟
نظرت ريم لمدير مكتبها "أن من هذا؟ والي أين يود الوصول؟" فأومأ إليها بثقة وقوة، تنفست بعمق وأجابت:
-عندما استلمت المنصب كنت مواطنة بينكم لم أكن أعلم ما يحدث من ورائنا أستمع إلى الأخبار وحوارات الصحفيين وأسئلتهم التي لا تفيد
وتظهر خلاف الباطن !
كما علمت بعد أن درست المنصب جيداً، الكثير من الكوارث العظيمة بسبب النظام السابق وبحمد الله خمس وعشرون بالمئة حُلت وقد ذكرت هذا بالمؤتمر
 - خمس وعشرون بالمئة فقط! أهذا لكثرة المصائب كما تقولين أم لكونك امرأة ؟
نظرت مجدداً للسيد عمار وكرر ما فعله سابقاً , حينها فهمت أن هناك شيئا يحاك، نظرت مباشرة بعيني الصحفي مالك بثقة كبيرة
- استلم السيد عرفان الزهران هذا المنصب لثمانية أعوام ولم يزده الا سوءاً!
أحس مالك وخذة بقلبه عندما ذكرت إسمه، تدارك الموقف مصمماً الخروج من دائرة ذلك الإسم
- بإيجاز تحدثي عن أعظم كارثة حللتها كما وصفتي؟
 نظرت ريم لعمار مجدداً الذي أشار إلى قميصه الأبيض ، فكتفت بموضع الإشارة : -السلام!
- عفواً؟
-عانت دولتنا بالكثير من الحروب القبيلة وسفك الدماء فأول مخططات الأنثى ريم هو خلق السلام الذي طال افتقاده لما يقارب خمسون عاماً ..
كان يصغي إليها بتركيز شديد إلى أن لمح ذلك الرجل الذي كان ضمن عصابة عرفان، بدأ يتصبب عرقاً فهو في حافة السقوط وقد انقلب الموقف رأساً على عقب و جميع الأسئلة أصبحت من نصيبها هي !
حاول أن يتدارك الموقف بدون تفكير:
-كم تتلقين مقابل هذا المنصب ؟
اندهشت ريم من هذا السؤال كيف لصحفي مثل مالك أن يسأل هكذا أسئلة فهو نبيه جداً وأذكى من أن يسأل عن تلك الأشياء ولم تكن وحدها بل الجميع حتى المصورين تعجبوا منه!
لاحظت ريم إرتباك مالك ، نظرت الى الناحية التي كان ينظر إليها وأجابته رافعة ساببتيها مصطنعة عالمة X
- وأردفت الف روبية "فهي تعني أيضاً بالروماني الرقم عشرة "..
لمحت ذلك الرجل الذي اقترب منهما هو نفسه من كان ينظر إليها بغرابة عندما حضرت للقاعة فكما أخبروها أنه احد رجال عرفان  ...
ثم التفتت لمالك و نظرت بعينيه ملياً و حركت رأسها بإماءةِ تساؤل!
إبتلع مالك ريقه بصعوبة ثم أومأ إيجاباً :
- كيف لك أن تتقبلي كهذا مبلغ والجوع والفقر يهددنا نحن المواطنين؟
-
أعلم هذا لذلك قمت بتقسيم المبلغ إلى النصف ، وتبرعت للأيتام بها، من الأكثر تهددياً برأيك أنتم رجال و نساء، أم الايتام!؟
أجاب بدون تفكير:
- الأيتام بالطبع
فسألته بعد أن بدأ قلبها ينبض بقوة خوفاً من أن يفهمها أحد :
- أتدري يا سيد مالك كم يتيم لدينا إلى الآن ؟
رفع يداه مشيراً إلى الرقم اثنين :
- ما يقارب الاثنان وعشرون الف قاصر
- أنت كمواطن هل لك علم بما يحدث معهم أهم بالمدارس الداخلية أم الملاجيء أم هائمون بالشوارع ؟
- أظن أنهم بكل مكان حولنا حتى بعض المنازل بها يتامى، ما الإجراء الذي ستتخذونه لهم وما هي المنظمات التي تساعد ؟
 -نحن نعمل على ذلك بكل إنسانية فلا يمكننا الإفصاح عن أي منظمة لأنها تتحفظ على ذلك ، وبدلاً من هذا سأخبرك أن مساعدي السيد عمار يتولى جميع هذه المهام
انسحب عمار من بينهم خفية ليدير تلك المهمة ، بعد أن أتاه الأمر مباشر منها..
- كم سيستغرق اكمال مهمة إيواء الأيتام هذه؟
- عشرون إسبوع، سترون ذلك بأكمل وجه وستطمئنون عليهم بعد هذه الفترة بإذن الله

أخذ الحديث بين مد وجزر، بينما كان يراقب عرفان الحوار عن طريق شاشة التلفزيون كان يلعن مالك طوال اللقاء منتظراً منه أي شيء يفسد سمعتها إلى أن انتهى اللقاء
رفع سماعة الهاتف مهاتفاً رجاله وعينيه تشتاط غضباً :
- اقتلوهم جميعاً
أخذت ريم تتابع حركة ذلك الرجل خفية إلى أن انتهى اللقاء وشكرت مالك على المقابلة وما إن أطفئت الكاميرات حتى صاحت صارخة :
- يا حراس اقبضوه
ثم تقدم عمار هامساً لها يطمئنها على الأطفال
واخيراً تم القبض على عرفان ورجاله بعد هذه الفعلة السوداء المشينة..
تمت
بقلم / تهجد شرف الدين 
كاتبة وقاصه سودانية 
أحدث أقدم