حرق الكنائس والمساجد قصة أقدم حادث فتنة طائفية في مصر

مصر زمان :
يروي ابن الوردي في تاريخه واحدة من أقدم حوادث الفتن الطائفية في مصر وقعت سنة 705 هجرية , يقول :
وفيهَا: فِي شهر ربيع الآخر حفر السُّلْطَان حفيراً قرب بَحر النّيل، وَكَانَ جواره كَنِيسَة فَأَرَادَ هدمها فَلَمَّا شرعوا فِي هدمها قَامَ الصَّوْت فِي الْقَاهِرَة ومصر بهدم الْكَنَائِس فَلم يبْق بِمصْر والقاهرة كَنِيسَة حَتَّى حاصروها، مِنْهَا مَا هدم، وَمِنْهَا مَا نهب وَمِنْهَا مَا لم يصلوا إِلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان، واستفتى الْقُضَاة فأفتوه بتعزيزهم فَأخذ جمَاعَة من الْحَبْس فشنق وَقطع أيديا وخزم حَتَّى سكنوا، واختفى النَّصَارَى أَيَّامًا، وَجرى ذَلِك فِي الفيوم وأحرقوا الْأَمْوَات المدفونين فِي كنائسها.
كنائس

ورغم اتخاذ السلطان اجراءات العدالة من سجن واعدام , إلا أن نصارى مصر قرروا الإنتقام على طريقتهم . 

انتقام النصارى في مصر 

وَفِيه: وَقع بِالْقَاهِرَةِ حريق عَظِيم أتلف أملاكاً وأتعب النَّاس حَتَّى أطفئ ثمَّ فِي الْغَد وَقع حريق أعظم مِنْهُ فِي وضع آخر وَقرب من دَار كريم الدّين فَنزل الْأُمَرَاء والنائب من القلعة خوفًا على دَار كريم الدّين لكَونهَا خزانَة الْمُسلمين وأحرقوا بهَا حَتَّى أطفئت وتوالى الْحَرِيق بِالْقَاهِرَةِ وتحير السُّلْطَان والرعية لَهُ، وتتبع ذَلِك فَقيل: أَنه وجد بعض النَّصَارَى وَمَعَهُ آلَة الْحَرِيق كالنفط وَغَيره، فَأخذُوا وعرضوا على السُّلْطَان فَذكر بَعضهم أَن القسيسين اتَّفقُوا على هَذَا بِسَبَب مَا حصل من التَّعَرُّض إِلَى كنائسهم وَأَنَّهُمْ رتبوا أَرْبَعِينَ نفسا من النَّصَارَى يلقون النَّار فِي بيُوت المسلمين ومساجدهم فَحرق بَعضهم.

ثمَّ أَن جمعا قصدُوا كريم الدّين وهجموا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ فهرب مِنْهُم فَأمْسك السُّلْطَان جمَاعَة من الْمُسلمين وَقطع أَيدي أَرْبَعَة وَقيد جمَاعَة، ثمَّ نُودي على النَّصَارَى أَن يخرجُوا بالثياب الزرق والعمائم الزرق وَأَن يَجْعَل الجرس فِي أَعْنَاقهم فِي الْحمام ويركبوا عرضا وَلَا يستخدموا فِي ديوَان، فَعِنْدَ ذَلِك خف الإحراق بعد أَن كَانَ أمرا عَظِيما، وَكم سقط بِهِ دَار وَكم خرج مِنْهُ حَرِيم مكشفات حَتَّى قنت النَّاس لَهُ فِي الصَّلَوَات، وَأَعدُّوا الدنان مملؤءة مَاء فِي الْأَسْوَاق فَالله يهْلك أَعدَاء الْإِسْلَام.

وَأخْبر ابْن الأيدمري أَن لَهُ ربعا وَقعت فِيهِ النَّار تسعا وَعشْرين مرّة، وَنسب ذَلِك إِلَى النَّصَارَى فَأمْسك مِنْهُم جمَاعَة فأقروا بذلك فَأحرق مِنْهُم خَمْسَة وَضرب عنق سادس وَأسلم مِنْهُم جمَاعَة، وَسَار كل نَصْرَانِيّ يظْهر بِالْقَاهِرَةِ يضْرب وَرُبمَا قتل والحريق لم يَنْقَطِع بِالْكُلِّيَّةِ.

وَفِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة أمسك نصرانيان من الْغُرَمَاء وصلباً وسمرا وطيف بهما على جملين بِالْقَاهِرَةِ ومصر.
قلت:
(عدمتكم نَصَارَى مصر كفوا ... فكم آذيتمونا من طَرِيق)
(حريق النَّار قد عجلتموه ... فأجلنا لكم نَار الْحَرِيق)
---
المصدر
الكتاب: تاريخ ابن الوردي
المؤلف: عمر بن مظفر بن عمر بن محمد ابن أبي الفوارس، أبو حفص، زين الدين ابن الوردي المعري الكندي (المتوفى: 749هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت
الطبعة: الأولى، 1417هـ - 1996م
عدد الأجزاء: 2

اضف تعليق

أحدث أقدم