زهور الياسمين "قصة قصيرة" بقلم أحمد الأسيوطي

زهور الياسمين
ابداعات -قصص قصيرة -أحمد الأسيوطي :زهور ياسمين ضمها إلى صدره واغمض عينيه, أخذ تنهيدة خفيفة وتقدم نحوها بخطوات بطيئة وهو يحدث نفسه كم ستسعد كثيرا بهذه الزهرة التي احضرها خصيصا من أرقى محلات الزهور ..

كانت تهوى زهور الياسمين .. وكم تمنت لو كانت شقتهما البسيطة منزل كبير في قرية ريفيه ذو فناء واسع كي تزرع فيه الياسمين صفوفا مرصوصة تستقبل الزائرين .. وكم كانت سعيدة حين سمح مالك العقار أن تزرع الياسمين فوق السطح حيث كانت شقتهما تقع بالطابق الآخير ..

تعودت أن تفعل في أحلامها ما لم تستطع فعله في الحقيقة.. كانت بارعة في ذلك حتى أنها علمته كيف اذا أراد شيئا فإن عليه أن يغمض عينيه وسوف يراه أمامه ..

إزداد سروره مع ازدياد اقترابه , تناهى إلى سمعه المقدمة الموسيقية لتلك الاغنية العذبة التي كانت تهواها والتي راحت كلماتها تتنزل في أذانه .. " يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات " أشرق وجهها في قلبه عن أبتسامه رقيقة .. " حدثها "وجهك يا حبيبة الروح هو تجسيد حي لصوت ماجدة الرومي بعذوبته وملائكيته " ..كانت تلك أغنيتها المفضلة ..وبالتالي هي اغنيتهما المفضلة .. كان يحب كل ما تحبه هي .. لأنه كان يحبها هي .

تُرى هل تسمرت في مكانها خجلا كما في كل مرة تسمع فيها معه هذه الأغنية؟ .. لم تتغير منذ أن أحبها وحتى صارا زوجين .. لم يفارقها حياء الحب .. " هل تسمحين لي بهذه الرقصة " قالها وانحنى برأسه مغمض العينين ومد يده في الهواء .. شعر بأناملها الرقيقة تلمس انامله ثم تملئ كفه .. كانت رقيقة في كل شئ , ملامحها , صوتها , في قوامها النحيل .. " وأنا كالطفلة في يده كالريشة تحملها النسمات .. " تنساب الاغنية في حوله كأنها السحر فيبدوا له كما لو كان يراقصها في فضاء لا حدود له ..

ولكن .. ارتطام ساقه بجسم صلب جعله يفتح عينيه متألما .. إنها تلك المنضدة الصغيرة .. تذكر أن عليه الإسراع بإحضار كوب زجاجي مملؤا بالماء.. وبعد أن وضع زهرة الياسمين بداخله قام بوضعه بحرص على المنضدة وجلس على الكرسي الذي كان قد وضعه قبالتها ..وأخذ يحملق فيها قائلا : " يبدو اني قد كبرت كثيرا يا حبيبتي , لقد ضرب الشيب رأسي منذ زمن.. نعم صرت عجوزا .. لا لست حزينا فكلما ازداد المشيب كلما قرب اللقاء " .

لمح بعينيه الضيقتين غبارا يحيط بالإطار الخشبي الذي يضمها فأخرج منديلا على الفور من جيبه ووقف يمسحه , ومع انزعاجه من هذا الغبار إلا أنه ظل يمسح برفق حتى لا يؤذيها وهو يحدثها :" سوف نذهب إلى نجار جديد ليصنع إطارا آخر , فنجارنا القديم أغلق دكانه ولم أره من مدة طويله , لا أعلم إلى أين ذهب ذلك العجوز أيضا "

ثم تراجع قليلا إلى الخلف ونظر إليها وتابع حديثه باسما :" ماذا ؟! تقولين أني تعبت .. حسنا سأريك كيف أني استطيع الرقص حتى الصباح .. هيا ضعي يدك في يدي مرة ثانية هيا", ومد يده مرة اخرى وأغمض عينيه كما علمته أنه حين يريد شيئا لا يستطيعه أن يغمض عينيه وسوف يراه أمامه .. وراح يرقص ويرقص ويرقص ...

--
بقلم / أحمد الأسيوطي
كاتب وأديب وباحث 

اضف تعليق

أحدث أقدم