ليالي الشتاء الدافئة - قصة قصيرة بقلم الدكتور أحمد أبوستيت.
"ليالى الشتاء الجميلة"
عقارب الساعة تشير إلى الخامسة مساء، البرودة تكسو جو القرية، السماء ملبدة بالغيوم مطلقة صافرة الإنذار بسقوط أمطار غزيرة. ..
ماهى إلا لحظات وأضاءت السماء بضوء البرق، واخترق الأذآن صوت الرعد قاطعًا السكون فى القرية، وانهمر الماء الغزير من السماء مغطيا شوارع القرية الضيقة.
استمر سقوط المطر لمدة غير قصيرة، ثم أقلعت السماء وتوقف سقوط المطر، لكن أرض القرية لم تبتلع ماءها وما غيض الماء، واكتست شوارع القرية بالوحل الذى تغوص فيه الأرجل حتى ساقيها.
ارتديت ملابسى الثقيلة ووضعت قدماي فى حذاء قديم من الجلد السميك المتشقق من قسوة حياة القرية.
خرجت من بيتنا القديم متوجهًا إلى بيت صديقى الذى أئنس به فى الأوقات الصعبة، طرقت على شباك حجرته برفق آملا أن أجده مستيقظا ..
جاءنى صوته الرقيق من داخل حجرته عبر الشباك:
"أهلا أبوستيت حبيبى كنت منتظرك وعندي يقين أنك ستأتى فى هذا الجو العصيب, أدلف يا أخى فقد تركت الباب مفتوحًا لاستقبالك".
دخلت حجرته تاركًا حذائى المغطى بالوحل على باب البيت.
دفء استقباله لى كان يغطي على دفء الحجرة. وجدت صديقى قد أعد قصعة النار وعليها براد الشاى وكنكة القهوة، وبجواره طبق مصنوع من الخوص ملئ بالخبز الفلاحى وبرطمان السمن البلدي وطبق مليء بالبيض البلدي وطبق به الجبنة القريش وطبق آخر مليء باللفت المخلل .. قال لى بصوته الحنون:
"لقد أعددت كل هذا منذ آذان العصر لأنى أعلم علم اليقين أنك قادم".
وضع صديقى الطبق الألمونيوم الممتلئ بالسمن البلدي على النار وألقى فيه عدد غير قليل من البيض البلدى ..
دقائق قليلة وتناول صديقى الطبق من على النار بعد اكتمال نصج البيض واضعا مكانه أرغفة الخبز الفلاحى.
رائحة السمن البلدى والخبز الفلاحى وجمال اللفت المخلل تفتح الشهية وتسيل اللعاب.
تناولنا الطعام واحتسينا الشاى الممزوج برائحة الدخان.
ومع فنجان القهوة المحوج وعبقه الذى تفوح منه رائحة يد جدته التى أعدت البن المحوج بأدواتها البسيطة عدنا بذاكرتنا لأيام الماضى الجميل ..
سهرنا حتى مطلع الفجر ..
بعد الصلاة غلبنا النوم .. استيفظنا على صوت جدته وقد أعدت لنا الفطار وجهزت أدواتها البسيطة لتصنع البن المحوج الذى تمتاز به بين نساء القرية.
"من مذكرات أبوستيت"
اقرأ أيضا : رسالة إلى إيلا , قصة بقلم فاطمة حمزة
إرسال تعليق