يوميات جيولوجي بقلم الدكتور أحمد أبوستيت

الدكتور والباحث الجيولوجي العلامة د. أحمد أبو ستيت في حلقة جديدة من مذكراته يوميات جيولوجي أو "مذكراتي"  والتي قرر أن يشارك فيها قراؤه وجمهوره وطلابه من الباحثين الجدد
وحلقة اليوم من يوميات جيولوجي تأتينا تحت عنوان :

"في الجبل"

فى الحجرة الخشبية الصغيرة الواقعة فى حضن الجبل ينطلق صوت المنبه مغطيًا على صوت همهمات النائمين فيها، معلنا موعد صلاة الفجر وقدوم يوم جديد.
أحمد أبو ستيت
 نستيقظ جميعًا لصلاة الفجر، ثم نتناول طعام الفطور الذى أعده لنا طباخ البعثة الماهر، المكون من الفول، والبيض المقلي، والجبن. 
نرتدي ملابس العمل ونلملم أدوات البحث التي أعددناها مساء الأمس، حاملين صندوق معدني صغير به طعام الغداء وأدوات الشاي، وجركن المياه البلاستيك المكسو بالخيش.
تنطلق بنا سيارة العمل عبر الوادي الذى تحفه الجبال الشاهقة بألوانها وأشكالها المختلفة، أنها ليست مجرد تضاريس جغرافية، بل هي لوحة فنية خلابة تحكي قصصًا عميقة عن تطور الأرض وتشكيلها بأثر الزمن.

 بعد وقت يكاد يقترب من الساعة نصل إلى مناطق العمل حيث تمتاز هذه المناطق بتنوعها البيئي والجغرافي، مما يجعلها موطنًا لتنوع هائل من الحياة النباتية والحيوانية المتكيفة مع هذه الظروف القاسية..
سحر الطبيعة البرية في الجبال يأخذ القلوب والعقول في رحلة ساحرة إلى عالم من الجمال الخلاب والسكون العميق. 
تمتزج فيها ألوان السماء الزرقاء الصافية مع ألوان وتضاريس الجبال الشاهقة لتخلق لوحة فنية تأسر النظر وتجلب السكينة للروح. 
تسلق الجبال
وعندما تتسلق قمم الجبال، تكتشف جمالًا لا يوصف في منظر الغيوم وهي تتلاشى ببطء لتكشف عن مناظر خلابة من الأراضي المنخفضة والوديان الخضراء المتلألئة تحت أشعة الشمس. 
ننطلق جميعا لمهمتنا،  فمنا من يحمل جهاز القياس الإشعاعى ليرصد الشاذات الإشعاعية فى الصخور، ومنا من يخرج بوصلته من جرابها ليقيس التراكيب الجيولوجية المختلفة من صدوع وفواصل وطيات وغيرها..
ومنا من يحمل الشاكوش لأخذ عينات صخرية من الصخور المختلفة. 
نعمل جميعا كخلية النحل لننجز أكبر قدر من المهمة، وحينما يحين وقت الظهيرة نبحث عن شجرة من أشجار "السنط" المنتشرة فى الوادى لنستريح تحتها من عناء ساعات العمل الشاق ونحتمي بظلها من أشعة الشمس الحارقة.
يقوم بعضنا بتنظيف المكان تحت الشجرة للتأكد من خلوها من الزواحف السامة والحشرات الضارة، بينما يقوم الآخرون بإعداد طعام الغداء وإشعال النار لتسخين الخبز وعمل الشاي. 
نفترش "بطاطين"  قديمة ونصلي الظهر ثم نعد أطباق الطعام المكون من الفول المدمس والتونة والجبنة القديمة والبصل الأخضر والبطاطس المشوية..
طعام بسيط لكنه فى هذه البيئة القاسية يثير الشهية ويسيل اللعاب، مذاقه فى الفم يفوق حلاوة طعام الملوك ويزيد لذة عن طعام الأثرياء.
بعد الغداء نتناول كوب الشاى الذى أعده لنا السائق المرافق لنا على نار قطع الأشجار المتناثرة، ثم نهب جميعًا لاستكمال العمل
وعندما تغرب الشمس، وتبدأ السماء بتلوين نفسها بألوان دافئة  تضفي لمسات سحرية على المشهد الطبيعي، ننهى عملنا ونولى وجوهنا شطر مكان إقامتنا حيث الحجرة الخشبية الواقعة فى حضن الجبل.
من مذكراتي/ أ.د أحمد أبوستيت 

اضف تعليق

أحدث أقدم